تحقيق التوكل لدى العبد لا ينافي السعي والأخذ بالأسباب، التي قدّر الله عز وجل المقدورات بها، وجرت سنة الله في خلقه بذلك، فالله سبحانه وتعالى أمر العبد بالأخذ بالأسباب، كما أمره بالتوكل عليه سبحانه، فالسعي في الأسباب يكون بالجوارح طاعة له، والتوكل على الله يكون بالقلب إيمانا به سبحانه، قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم)، وقال سبحانه: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل)، وقال سبحانه في سورة الجمعة: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله)، ويغفل الكثير من الناس عن التوكل على الله سبحانه وتعالى، ويقفون على الأسباب الظاهرة المحيطة بهم، ويتعبون أنفسهم بالأخذ بالأسباب، ويجتهدون غاية الاجتهاد، ومع هذا كله لا يأتيهم إلا ما كتبه الله وقدره لهم، ولو أنهم إلى جانب أخذهم بالأسباب حققوا التوكل على الله سبحانه بقلوبهم لساق الله إليهم أرزاقهم، مع أدنى وأصغر سبب.
كما يسوق للطيور أرزاقها، بمجرد الغدو والرواح وهو سعي للرزق يسير.
العفو خلق محبوب عند الله تعالى، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من طلب العفو من الله تعالى، فقد ورد في الحديث الشريف أنه قال: «اللهم انك عفو تحب العفو، فاعف عني»، وهو من الأخلاق التي أمر الله تعالى نبيه بالتخلق بها، حيث أمره بقبول أعذار الناس، والتجاوز عن جهلهم، كما أن العفو من صفات عباد الله المتقين المستحقين دخول الجنة، فالعفو رفعة وقوة للعبد، وليس دليل ذل أو ضعف، إنما هو مبلغ الحكماء والعقلاء، وفي العفو امتثال لأمر الله تعالى، وطلب لمغفرته ورضوانه، وتقدير العبد لضعفه ومخلوقيته، ورحمته بأخيه المسيء، وفيه تقوية للروابط الاجتماعية وتوثيق لها.