أحمد عفيفي
ومرّ الشهر الذي حددته محكمة النقض في القاهرة للنطق بحكمها بقبول النقض او رفضه في القضية الاشهر على مدار اكثر من عام (قضية الثالوث الدرامي الذي طغى على كل الاعمال الدرامية (سوزان وهشام طلعت والسكري)، وقد اطلق عليها البعض قضية (العشق والدم)، وأيا كانت التسمية، تبقى قضية مقتل سوزان تميم هي الاهم على مستوى الرأي العام ليس في مصر وحدها وانما على مستوى الوطن العربي كله. اليوم تقول المحكمة كلمتها التي لن تستغرق دقيقة او ربما اقل، لكن السؤال: كيف ستمر هذه الدقيقة على المتهمين، (هشام طلعت مصطفى ومحسن السكري)، اظنها ستمر وكأنها عام كامل، والسؤال الاخر: كيف ستمر الـ 24 ساعة التي تسبق موعد الجلسة في التاسعة من صباح اليوم الخميس على الاثنين في محبسهما؟
أكاد اتخيل وضع الاثنين وكأنني معهما في الزنزانة... هشام طلعت يقطع غرفته الضيقة في السجن إيابا وذهابا، يبتسم احيانا وهو يتخيل امامه القاضي ينطق: تم قبول الطعن وقررنا اعادة المحاكمة من جديد في دائرة اخرى.
ظني ان هذا اقصى ما يتمناه هــشام طلعت ليتنفس الصعداء مرة اخرى، ليس مهما ان تستمر المحاكمة سنة او سنـــتين مادام «النفس داخل خارج»، والحياة في السجن وبين القضبان أهون ألف مليون مرة من الدفن في القبر بظلامه الموحش وتوديعها الى ان تقوم الساعة. اعوذ بالله.. اكاد اسمعها من هشام طلعت وأكاد اسمع دقات قلبه لمجرد تخيل هذا الامر البغيض.. ولسان حاله يقول: ادفع كل ثروتي واستدين عليها ـ اذا وجب الامر ـ وانقذ رقبتي من حبل المشنقة.
غرفة الاعدام
ولا أظن ان غرفة الاعدام لم تزر عقل هشام، ولا عشماوي بشاربه المرعب وجلد اعصابه وهو ينفذ ببرود يحسد عليه حكم الاعدام، لعل هشام استرجع في ذاكرته مشاهد كثيرة من افلام عربية لتنفيذ حكم الاعدام، لعله ـ ان كان يشعر بأنه بريء بحق ـ يتخيل عبد الوارث عسر في فيلمه الشهير (صراع في الوادي) وهو يساق الى غرفة الاعدام بعد جريمة لم يرتكبها، او يتخيل هاني سلامة ـ ان كان يعرف يقينا انه مدان ـ في فيلم (خيانة مشروعة) وهو يساق ايضا الى الاعدام بعد جريمتي قتل ارتكبهما.
هذا ما اتصوره بالنسبة لهشام طلعت مصطفى.. اما محسن السكري ضابط امن الدولة وهو المتـــهم الفعلي بقتل سوزان تميم، فحاله لا يختلف كثيرا عن حال صاحبه وشــريكه الا ان الهواجس عنده اكبر واكثر خطـــورة، فإن كان هناك املا ولو 1% بالنـــسبة لهشــام فإن هذا الـ 1% يكاد ينعدم بالنســبة للسكري، لكن هذا لا يمنعه من الحلم كالغــريق الذي يتعلق بقشة وهو يدرك تماما انها لن تنفعه ولكن ان لم يكن امامه غيرها فربما كانت نجاته بها.
المدان الوحيد
الذي يقلق السكري بحق شيء واحد وهو ان يخرج هشام من القضية نهائيا ويبقى هو المدان الوحيد فيها، خاصة بعد ان انفصل فريقا الدفاع بعد المحاكمة الاولى التي انتهت بالحكم بإعدام الاثنين، وحدث خلاف شديد بين المحامين عن هشام بسبب الربط بين المتهمين على اعتبار ان براءة السكري تعني بالضرورة براءة هشام، فمادام ليس هناك قتل فليس هناك اذن تحريض. اما ادانة السكري فلا تعني بالضرورة ادانة هشام، وهذا ما يجعل السكري قلقا مضطربا حيث يعرف منذ انتهاء المحاكمة الاولى ان الاتجاه في الجولة الثانية والاخيرة تسير نحو محاولة تبرئة هشام وليذهب السكري الى الجحيم. وكما يقولون «ياروح مابعدك روح»، وهذا ماجعل محامي السكري في مداخلة تلفونية في برنامج «القاهرة اليوم» على قناة الاوربت يشتعل غضبا من كلام محامي هشام بانفصال فريقي الدفاع وان كل همه براءة موكله فقال بالحرف الواحد: اذا حدث هذا فسأقلب المائدة على كل الرؤوس وعلي وعلى اعدائي.
ترى.. كم سيجارة دخنها السكري في محبسه وكم مرة لعب الشيطان برأسه وصور له عشماوي ليراه رأي العين، وكم مرة بعد ان يقرأ القرآن يتخيل نفسه وقد تحقق الحلم البعيد وخرج من القضية كما الشعرة من العجين.؟
عودة إلى الوراء
بالتحديد يوم الاثنين 29 يوليو 2008 وفي دبي حيث تسكن المطربة اللبنانية سوزان تميم في أحد أفخم ابراج دبي، اقتحم شقتها شخص ثبت بعد ذلك من خلال التحريات انه ضابط أمن الدولة المصري المستقيل محسن السكري وطعنها في اماكن متفرقة من جسدها طعنات قاتلة حتى قيل انه فصل الرأس عن الجسد. اكتشف أمر الجريمة قريب لسوزان يقيم ايضا في دبي بعد ان اتصل بها عدة مرات ولم تردّ، فذهب اليها حيث تقيم وروعه مارأى.. الجميلة الفاتنة ممشوقة القوام عبارة عن جثة هامدة ضاعت ملامح وجهها من فعل الطعنات الغادرة.
تحركت مباحث دبي، هذه المدينة الساحرة التي تحولت الى مدينة الاغتيالات والتصفيات الجسدية حيث ومنذ شهرين تم هناك أيضا اغتيال المناضل الفلسطيني محمود المبحوح.. أقول تحركت المباحث بعد ان رصدت كاميرات الفندق الجاني وبعد مراجعة الجوازات ومعرفة من جاء ومن غادر لتتجه الأنظار الى محسن السكري ويتم ابلاغ الشرطة المصرية التي نجحت في اقل من أربعة أيام في القبض على المتهم الذي اعترف بالجريمة وأشار صراحة دون تلميح الى هشام طلعت مصطفى رجل الأعمال الأشهر في مصر وعضو مجلس الشورى قائلا انه المحرض على القتل حيث طلب منه التخلص منها مقابل مليوني دولار. مشيرا الى ان رجل الاعمال كان على علاقة وطيدة بالمجني عليها وقيل انه متزوج منها، وقدم تسجيلات عبارة عن حوارات متكررة بينه وبين هشام طلعت يسأله فيها عما فعل ومتى ينفذ وأشياء من هذا القبيل.
هشام في سويسرا
في هذه الأثناء كان هشام طلعت في سويسرا لمتابعة أو انهاء صفقة من صفقاته، وتم ابلاغه على الفور بما قاله السكري عنه، فاتصل في نفس اليوم من سويسرا ببرنامج (العاشرة مساء) على قناة دريم ينفي أي علاقة بينه وبين سوزان، مندهشا كيف زج السكري باسمه في هذه الجريمة البشعة، مؤكدا انه سيغادر سويسرا الى القاهرة على أقرب طائرة ليواجه هذه الاتهامات التي لا تليق برجل في مستواه الاجتماعي ومنصبه وأخلاقه. وعاد الى مصر، لكن ليته لم يفعل، حيث تم القبض عليه بتهمة التحريض على قتل سوزان تميم وواجهته المباحث ثم النيابة بالتسجيلات الصوتية بينه وبين السكري وبرسائل على موبايل السكري تفيد بالاتفاق على الفعل المتفق عليه.
2 مليون دولار في البوتجاز
اعترف السكري بانه أخذ مبلغ 2 مليون دولار من هشام لتنفيذ الجريمة، وارشد المباحث عن مكان النقود حيث صرف منها مبلغا بسيطا ووضع الباقي في فرن البوتجاز، وعند مواجهة هشام بهذا الأمر أنكر في البداية ثم - وكأنه تذكر- اعترف بإعطائه المبلغ، لا ليقتلها ولكن فقط كي يراقب تحركاتها في دبي ولندن والقاهرة حيث تتنقل سوزان بين تلك الأماكن الثلاثة، وبدأ الإعلام يلقي الضوء وبشدة على هذه الجريمة، وزاد الاهتمام بها ان ثلاث دول تنظر اليها والى مجرياتها، دبي حيث وقعت هناك، ولبنان حيث مسقط رأس القتيلة وحيث يعيش أهلها، ومصر حيث المتهمان (هشام والسكري) يحملان الجنسية المصرية ويعملان داخل مصر.
كتيبة من المحامين
بنفوذه وأمواله استطاع هشام ان يجند كتيبة من المحامين (10 تقريبا) للدفاع عنه، أما السكري فلم يستطع إلا توكيل اثنين فقط، وصارت الأمور، كل فريق في اتجاه حتى اهتدى محامو هشام الى فكرة توحيد الصفوف، ليس حبا في السكري، ولكن طمعا في براءة هشام، فإذا ما انتفت تهمة القتل كما أشرنا عن السكري فلا محرض إذن. منطق أو لنقل لعبة لم تدخل على هيئة القضاء برئاسة المستشار المحمدي قنصوة الذي بعد 4 جلسات أصدر أمرا قاطعا بحظر النشر من جميع وسائل الإعلام عن هذه القضية حتى يتم الانتهاء منها تماما.
الحكم الصاعقة
وبعد 37 جلسة صدر الحكم الصاعقة بإعدام المتهمين (هشام والسكري)، الثاني بفعل الارتكاب والأول بفعل التحريض على القتل. الذين حضروا هذه الجلسة وصفوا وقع الحكم على السكري وهشام وهما في القفص، الأول ظهر على وجهه الرعب لا الدهشة - وهناك فرق - أما الثاني - وأقصد هشام - فكاد الذهول ان يطيح به ارضا، لا لأنه كان يطمع في البراءة، ولكن لانه لم يتخيل أبدا انه سيعدم وهو حسب التوصيف القانوني مجرد محرض، لذلك وفي لقطة سجلتها اكثر من قناة فضائية أشار بإصبعيه مندهشا وكأنه يقول: احنا الاثنين إعدام.. الاثنين إعدام.. معقولة!
كلمة أخيرة
بين الحياة والموت لحظة فاصلة يقدرها الله بالقطع وينطق بها قاضي محكمة النقض في التاسعة من صباح اليوم، وكلنا في انتظار كلمة السماء، لا نحن مع ولا ضد، لكننا فقط ننتظر الحكم في اشهر قضية شهدتها السنة الماضية وشغلت الرأي العام بدرجة لم يسبق لها مثيل.
عبدالستار تميم: أريد لابنتي أن تهدأ في قبرها
لعل الأكثر تلهـــفا على ســـماع الحـــكم اليوم هو عبـــدالستار تميـــم والد سوزان الذي قيل أو أشيـــع عنــه انه سيقــــبل الدية المعروضـــة من عـــائلة هشـــام طلعـــت، لكـنـه أكـــد فــي أكـــثر من مداخلة تلفزيونية ان أمـــوال الدنيـــا لـــن تعـــوضـــه خســـارة ابنته، مشـــيدا بنـــزاهة القـــضاء المصري في حكمه الأول بالإعـــدام، متمــنيا ان يُسدل الســتار نهائيــا اليــوم بعـــد قبـــول الطعن حتى تهـــدأ ســوزان في قبـــرها وحتـــى يستــطيع تقبل العزاء فيها.
فريد الديب: واثق من قبول النقض ولا أنكر تخوّفي
في أكثر من مقابلة تلفزيونية أعرب فريد الديب محامي هشام طلعت مصطفى عن ثقته في قبول النقض، لكنه لا ينكر تخوفه من الحكم الذي سينطق به القاضي اليوم، والذي يثير القلق بالنسبة لهشام طلعت نفسه، ان فريق الدفاع عنه منقسم وكل واحد فيه يسير في اتجاه غير الآخر، لا تنسيق بين المحامين، وكأنهم يتنافسون على من سيحرز الهدف ودفوعه هي التي ستقنع القاضي بقبول النقض. هذا الأمر ليس بخاف على أحد، لا ينكره الديب ولا أبوشقة المحامي الثاني في فريق الدفاع الذي وجه لوما شديدا الى الديب في جلسة النقض الأولى قبل شهر بعد ان ترافع قرابة الـ 3 ساعات ولم يعط الفرصة للباقين للترافع بنفس هذه المدة مما جعل المحكمة لا تنطق بالحكم في هذه الجلسة وارجأته الى الرابع من مارس. ورد الديب على هذا الأمر بقوله: لو ان المحكمة رأت تفاهة ما قلته في مرافعتي لأسكتتني مرغما وأجلستني بالأمر المباشر، لكنها استمعت لي طيلة هذه المدة لقناعتها بأن ما أقوله جدير بالاستماع.
هل سيتكرر هذا المشهد؟
سحر شقيقة هشام طلعت مصطفى الصغرى، وهي التي تبدو في الصورة منهارة باكية بعد الحكم بالإعدام قبل النقض، وهي أيضا الأكثر ظهورا في جميع الجلسات، تُرى.. هل سيتكرر المشهد اليوم أم سنراها على غير حالها في الصورة.
واقرأ ايضاً:
مصر تسترد 25 ألف قطعة أثرية من المتحف البريطاني
خلفان للموساد: مستعدون لتعليمكم كيف تتنكرون!
إخماد حريق هائل اندلع في 7 عمائر في المنطقة التاريخية بجدة
كبار العلماء بالسعودية يطالبون بضبط إصدار الفتاوى
جائزة بوكر العربية للسعودي عبده خال
عاصفة ممطرة تقتل 4 أشخاص في الشارقة ودبي
انتشار القوات الأمنية في تشيلي لمنع النهب وتفادي الاضطرابات
4 ملايين إسترليني.. ضريبة التهرب من الضرائب!
التأخر 10 دقائق عن اجتماع رسمي..خطأ لا يغتفر في اليابان
«تأجير الأرحام».. فيلم هندي لأسرة ألمانية