وسط قافلة الخير التي تتميز بها الكويت تبرز راية ترفرف شاهقة وعالية وسامية ينظر إليها القاصي والداني والقريب والبعيد بكل فخر واحترام واعجاب.
حاملها احد الاخيار الكبار من الذين قادوا العمل الخيري ورمز من رموز الخير والحكمة والموعظة الحسنة، مسيرته معروفة بالورع والتقوى وممن جبلوا على حب الخير ونصرة المسلمين في جميع بقاع العالم.
هو العم بويعقوب الكادح كدح الفقراء والمبتعد عن صخب الشهرة وضجيجها والعامل بصمت لا يريد جزاء ولا شكورا والفرد المنجز انجاز فريق متكامل.
البعد عن الأضواء
يحمل مسيرة 87 عاما من الجهد والعمل ترتسم ملامح التواضع والحكمة على وجهه وتتزين جبهته بدلائل العطاء، يحظى باحترام وتقدير الجميع رغم اختلاف المشارب والتيارات.
صاحب شخصية تؤثر الخفاء في الأعمال والبعد عن الأضواء ووسائل الاعلام فالعمل عنده يكون لله عز وجل واكثر ما يبغضه الحديث عن نفسه ونشأته فالكثير الكثير من معارفه واصدقائه يعلمون عطاءاته وافعاله الا انهم لا يتحدثون عنها بناء على رغبته وطلبه.
جائزة الملك فيصل
نال جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام لعام 2006 واعتبرها شرفا كبيرا يحصل عليه جراء جهد ضئيل قام به في ميدان العمل الخيري الاسلامي واضاف في حفل تكريمه: بحثت في اوراقي لأتعرف على السبب في منحي جائزة الملك فيصل العالمية وتكريمي، فلم أجد أنني قمت بشيء يستحق هذا، اللهم إلا ما قدمت من واجب عليّ تجاه ديني وامتي، ورأيت ان المستحق لهذا التكريم هم اهل الخير والعطاء الذين آزروا ونصروا العمل الخيري ودعموه بكل الوسائل فضربوا اعظم الامثلة على البذل والعطاء.
كما حفلت مسيرته بالجوائز والتكريمات العديدة منها شهادة الدكتوراه الفخرية من رئيس جمهورية اوغندا عام 2004 الا ان جائزته الكبرى هي تكريم اهل الكويت والعالم الاسلامي له بمحبته واحترامه.
لا يدانيها حب
الكويت هي مسقط رأس وبلده وموطنه عاش على أرضها وأكل من خيرها وحبه لها لا يدانيه حب، ويقول دائما جميعنا مأمورون شرعا بأن نحب اوطاننا وندافع عنها ونضحي من اجلها، فمن مات دون وطنه كما جاء في الحديث الشريف فهو شهيد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن مكة «إنك لأحب بلاد الله إلي، ولولا ان اهلك اخرجوني منك ما خرجت»، وكما احب وطنه الكويت فإنه احب جميع الاوطان الاسلامية واحب كل مكان يذكر فيه اسم الله تعالى.
الأبناء والأقارب
يؤمن بأن الإنسان يكون في حياته درسا لأبنائه واقاربه ولإخوانه بالأعمال التي يقوم بها ولهذا يأمل دائما ان يكون ابناؤه أكثر منه نشاطا وخبرة ودراية بالعمل الخيري خاصة ان بعضهم اتجه نحو العمل الأحب الى قلب بويعقوب.
العمل الخيري
العمل الخيري عند العم بويعقوب عمل طيب يطبع حياة الانسان الكويتي وتترجمه افعاله وخصاله وهو سمة لأهل الكويت والخليج التي تراها تنفق باليمين من غير من ولا أذى حاديها مرضاة الله عز وجل، لاسيما في مجالات المشاريع الخيرية والإنشائية والإغاثية المختلفة. ونتيجة لهذا التأصل في العمل والخبرة اصبح العمل الخيري بنظره اكثر مؤسسية وأكثر واقعية وفهما للأحداث وتفاعلا معها وهو اكثر تنظيما واستفادة من التجارب السابقة ومن تجارب الآخرين في الميدان نفسه، كما ان العمل الخيري الكويتي والخليجي اكثر التصاقا بالفقراء والمحتاجين واحتياجاتهم، فمستقبل العمل الخيري عنده واعد ومتنام تفرضه المعطيات الاجتماعية المرتبطة بالتركيبة النفسية للإنسان والمعطيات الاقتصادية في ظل ضعف الإيرادات والدخول ثم الحاجة الى دور شعبي فاعل في مجالات العمل الإنساني والمعطيات الدولية المشجعة للمبادرات الشعبية والتطوعية. وكل عمل برأيه سواء كان عاما او خاصا لابد له من عقبات تعترض مسيرته وتلك سنة الحياة واثناء ممارسة الدور الخيري والإنساني يعترضهما نقص الموارد المالية احيانا وضعف الإمكانات الفنية احيانا اخرى وذلك امر طبيعي جدا الا انه يعتبر ان القائمين على العمل الخيري اضحوا اليوم قادرين على استيعاب اي عقبات وتجاوزها واصبحوا اكثر قدرة على وضع الاستراتيجيات والخطط الكفيلة بتجاوز هذه الإشكاليات والمهم عنده ان يتم تجاوز ذلك بالحكمة والتدرج والحسم، فكل مشكلة تترك وتهمل لابد ان تتفاقم وتزيد.
ولتقديم افضل الانجازات في العمل الخيري يجب برأيه ان تكون هناك ضرورة تعزيز المؤسسية في العمل الخيري ومحاولة الوصول الى منهجية تكاملية في تخطيط المشروعات التنموية في المجتمعات ومضاعفة الاهتمام بالإنسان وتنمية قدراته وإمكاناته وتمكين الفقير والمحروم ليكون عنصر انتاج وبناء، والبعد عن المنازعات السياسية وتأكيد خيرية العمل وشفافيته ووضوحه واستثمار اموال التبرعات والصدقات، والانفاق من عوائدها على مصارف الخير واعطاء أهمية خاصة لمراكز التدريب وتحويل الصدقات الى صدقات جارية واعطاء التنسيق بين المنظمات المثيلة اهمية مضاعفة.
رحلة الحياة
نشأ في بيت علم يقصده العلماء وكان يرافق والده الى مجالس العلماء واستمر على هذا النهج حتى بعد وفاة والده حيث كان يحرص على حضور الدروس والمواعظ الدينية، مما كان له اكبر الاثر في تكوين شخصيته. وبعد الدراسة في المدرسة المباركية، تعلم اللغة الانجليزية في مدرسة هاشم البدر، وبعد تخرجه عمل في المملكة العربية السعودية عام 1938 بوظيفة كاتب دوام في شركة تنقيب عن البترول ثم تزوج عام 1941.
عاد الى الكويت 1942 واشتغل بالأعمال الحرة لمدة سنة واحدة، وعمل موظفا في إدارة الصحة العامة في الكويت، وكان مسؤولا عن مخازن الادوية من عام 1944 حتى عام 1960، حيث كان عدد موظفي الدائرة آنذاك 12 موظفا وعدد الاطباء اثنين فقط.
وتم تعيينه مديرا للنقليات والمشتريات حتى عام 1962، ثم وكيلا لوزارة الصحة العامة حتى عام 1970 ثم طلب الإحالة إلى التقاعد، كما كان عضوا في جمعية الاصلاح الاجتماعي وجمعية الهلال الأحمر.
اختير وزيرا للأوقاف والشؤون الإسلامية من عام 1976 حتى عام 1981 وعندما تأسست جمعية الشيخ عبدالله النوري تم اختياره رئيسا لمجلس إدارتها، وتولى رئاسة اجتماع لجنة التمويل والاستثمار بالمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة.
في عام 1984 تأسست الهيئة الخيرية الاسلامية العالمية في الكويت وتم اختياره رئيسا لمجلس إدارتها.
الهيئة والعم بويعقوب.. معاً لا يعود السائل إلى السؤال
«معا لا يعود السائل الى السؤال» الشعار الذي اتخذته وطبقته الهيئة الخيرية الاسلامية العالمية منذ فكرة إنشائها عام 1984 وحتى عام 2010 عندما أعلن العم «بويعقوب» عن رغبته في عدم الاستمرار في منصب رئاسة الهيئة إيمانا منه بقدرة الهيئة على مواصلة العمل بالجدارة والاقتدار ذاته لأنها مليئة بالرموز والقيادات القادرة على تحمل المسؤوليات كونهم تربوا في أحضان العمل الخيري وشربوا من معينه.
ومع مرور 25 عاما على المسيرة الناجحة للهيئة واختيار د.عبدالله المعتوق رئيسا لمجلس ادارتها خلال الاحتفال باليوبيل الفضي الذي حضره صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد تستمر الهيئة في نشر رسالتها التي بدأت كفكرة، جاءت أثناء انعقاد مؤتمر المصارف الإسلامية في الكويت في 17 يونيو 1984 في بادرة أطلقها د.يوسف القرضاوي لمواجهة مؤتمر كلورادو للمجمع العالمي الذي قرر جمع مليون دولار لتنصير المسلمين مما جعل د.القرضاوي يدعو المجتمعين في المؤتمر الى جمع ألف مليون دولار للحفاظ على المسلمين في أنحاء العالم من المحاولات المغرضة لأعداء الإسلام الذين يحاولون استغلال الظروف الصعبة للمسلمين المعدمين وتنصيرهم بالمال.
وبعد جهود مكثفة تم تشكيل اللجنة التحضيرية برعاية وزير الأوقاف في ذلك الوقت احمد سعد الجاسر برئاسة يوسف جاسم الحجي وتم بعد ذلك التصويت على النظام الأساسي للهيئة والذي حظي بموافقة 150 عضوا من أعضاء المجلس التأسيسي والموافقة على تعيين يوسف الحجي رئيسا للهيئة الخيرية الإسلامية العالمية وتحديد رأسمال الهيئة بألف مليون دولار ليستثمر في المجالات الاقتصادية الإسلامية وفقا للشريعة الإسلامية على ان تصرف أرباحه على الأعمال الخيرية وتم في عام 1986 صدور مرسوم أميري برقم 64 لعام 1986 بالموافقة على اشهار الهيئة ومقرها الرئيسي الكويت على ان تكون مؤسسة خيرية إنسانية ذات طابع عالمي ونشاط خيري وانساني يشمل الإنسان في كل مكان وتشمل خيريتها جوانب مختلفة من حاجات الإنسان.
السائل والسؤال
واتخذت الهيئة من «معا.. لا يعود السائل الى السؤال» شعارا ضمن مفهوم «التمكين» والذي يهدف الى تمكين الفقراء من الاعتماد على أنفسهم بعد توفيق الله عز وجل وإعالة أسرهم فاشتملت أهداف الهيئة على 3 نقاط رئيسية تتمثل في جمع المال ومن ثم استثمار ما يرد من تبرعات غير مخصصة وإقامة المشاريع الاستثمارية والتنموية المتكاملة بالإضافة الى تقديم المعونات كالمساعدات الإنسانية وتنفيذ مشروعات الخدمات العامة والإنمائية من عوائد الاستثمار وما يردها من تبرعات مخصصة.
إنجازات الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية خلال تولي العم بويعقوب رئاستها عديدة إذ تعبتر برأيه الهيئات الخيرية والإغاثية الإسلامية شريك أساسي في عملية التنمية الشاملة فهي تقوم بمجموعة من الأدوار الاستراتيجية التي تمثل جانبا مهما في مسار البناء والتطوير والتعمير ومن أبرز إنجازات هذه الهيئات ما يلي:
ـ تقديم الدعم والعون الإغاثي في حالات الكوارث والنوازل الطبيعية والأزمات والحروب والنزاعات الأهلية للمنكوبين.
ـ العمل على تلبية احتياجات شرائح المعوزين من الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام وطلاب العلم وغيرهم.
ـ إنشاء المشاريع الإنتاجية والتمكينية وتشغيل العاطلين عن العمل.
ـ الإسهام في التنمية التعليمية عبر إنشاء المدارس والجامعات ومراكز تحفيظ القرآن الكريم ورعاية الموهوبين وكفالة الدعاة والمدرسين وأساتذة الجامعات.
ـ العمل على الارتقاء بالخدمات الصحية وتوفيرها في كثير من المناطق التي تفتقر إليها.
وكان أن حققت الهيئة العديد من الإنجازات مثل إنشاء لجنة مسلمي آسيا التي اختصت بتنفيذ المشاريع الخيرية في القارة الآسيوية، ولجنة فلسطين الخيرية التي اختصت بتقديم المساعدات المالية والعينية للأسر الفلسطينية، ولم تغفل الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية في عهد العم أبويعقوب دور المرأة في بناء المجتمع كونها مربية الأجيال فأنشأت لجنة «ساعد أخاك المسلم» ذات النشاط النسائي لاشتراك المرأة في العمل الخيري لكي تربي أبناءها على حب الخير للآخرين ولتعليم الفتيات وتدريبهن على مساعدة الآخرين، وأنشأ كذلك لجنة الشروق الخيرية لتعتني بالشباب وبطلبة العلم وبفضل جهود الشيخ الحجي الخيرية أصبحت الهيئة الخيرية عضوا في عدد من الهيئات والمنظمات الدولية والعربية مثل منظمة اليونسكو ومنظمة الأغذية والزراعة ومنظمة العمل الدولي، كما انها ايضا عضو في منظمة الصحة العالمية لقطاع المجتمع المدني والصندوق الدولي للتنمية والزراعة، واتحاد المنظمات الأهلية العربية والهلال الأحمر والصليب الدولي والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، كما ان الهيئة مدت يد العون لملايين المسلمين في كل مكان في العالم من خلال دعمها للمشاريع الخيرية وتقديم المعونات والمساعدات لرعاية المسلمين في مجال التعليم والصحة وحفر الآبار وكفالة الأيتام ورعاية الفقراء والمحتاجين، وعندما كثرت اللجان والمؤسسات الخيرية في الكويت وتنوعت دعت الحاجة الى قيام تعاون وتنسيق فيما بينها لتعزيز وتوحيد العمل الخيري، وكانت النتيجة إعلان إنشاء قيام اللجنة الكويتية المشتركة للإغاثة.