روما ـ ناجي شربل
انتظر المئات من جماهير برشلونة عودة الحافلة التي أقلت لاعبي الفريق وادارييه الى فندق «غراند فينيتو» في جادة فينيتو الراقية في وسط العاصمة الايطالية روما، والتي يشبهها الجميع بجادة الشانزيليزيه الفرنسية.
ومع اقتراب الساعة 03:28 فجر الخميس بتوقيت الكويت (بفارق ساعة واحدة عن توقيت روما)، وضع عدد من رجال الشرطة الايطالية والشرطة البلدية حواجز حديد على جانبي الطريق الفرعي المحاذي للطريق العام، ثم حضرت بعد دقيقتين سيارتان للشرطة تطلقان العنان لابواقها، واطلت الحافلة التي كانت انطلقت عصر الاربعاء الى الملعب بلونها القاتم، لون نادي برشلونة وقد كتب عليها بالاسبانية «كامبيوني» (بطل)، ونقشت سلفا عبارة «برشلونة بطل الليغا وبطل أوروبا 2009».
الا ان الحافلة توقفت امام مدخل جانبي للفندق، على وقع اصوات حناجر كاميرونيين قالوا انهم يعرفون المهاجم صامويل ايتو، وبعضهم تحدث معه بالهاتف، ونقل عنه ان لاعبي برشلونة شاركوا في عشاء اقيم على شرفهم في مكان راق، وحضر جانبا منه الملك خوان كارلوس، وعدد من الضيوف الكبار.
لم يمل الجمهور، وارتفعت اصوات الحناجر، مع خروج الانوار من غرف الفندق المحجوز بكامله للفريق «الكاتالوني» بطل أوروبا 2009.
كانت الاجواء كلها في العاصمة الايطالية تشير الى تتويج برشلونة. وبشكل أدق، وجدنا أنفسنا امام قضية قومية، اكثر منها كروية، اذ نادرا ما رد احد مشجعي برشلونة على تمنياتنا، وان على سبيل المجاملة بفوز برشلونة، بالقول: «تحيا كاتالونيا».
قصة شعب وقضية اندمجا بكرة القدم، فأصبحت الاخيرة لسان حال الكاتالونيين الذين ينشدون الاستقلال بطريقة مختلفة عن قاطني اقليم الباسك. استقلال بطريقة كروية، لا عنفية، ورسالة تصل الى الجميع: «كاتالونيا أولا».
والنزعة القومية، حضرت بقوة في العاصمة الايطالية، وفي نهاية مراسم التتويج في الملعب الاولمبي بعد قطع البث التلفزيوني وتدوين عبارة «الى اللقاء على اللوحتين الالكترونيتين العملاقتين في جانبي الملعب». عاد لاعبو برشلونة ووضعوا الكأس في الجهة المقابلة لمدرجات جمهورهم في الجانب الايمن من المنصة الرسمية، وتحديدا خلف المرمى الذي هزته رأسية الارجنتيني ليونيل ميسي بالهدف الثاني. وركضوا مرتين على وقع ألاغاني الخاصة بمصارعة الثيران «الكوريدا» الاسبانية، وارتموا ارضا حول الكأس تحية لجمهور تسمر في المدرجات احتفالا باللقب الأوروبي الثالث، ودائما خارج الديار للفريق، بعد مرتين أولاهما في لندن (ويمبلي) 1992، والثانية في باريس (ضاحية سان دوني) 2006.
وبالطبع، ردد الجمهور فرحا وبنشوة الانتصار، ان برشلونة سيكون على الموعد السنة المقبلة، في النهائي الاول الذي سيقام في يوم سبت، وفي ملعب «سانتياغو برنابيه» في العاصمة مدريد. طبعا، ستكون القاب برشلونة ومنجزاته كلها في كفة، والفوز في معقل الخصم اللدود ريال مدريد، صاحب الرقم القياسي في الفوز بكأس أوروبا 9 مرات في كفة اخرى.
وقد فهمنا بوضوح صيحات الاستهجان التي هزت الملعب من المدرجات الكاتالونية مع تسلم البرتغالي كريستيانو رونالدو ميداليته الفضية من رئيس الاتحاد الأوروبي «يويفا» الفرنسي ميشال بلاتيني. كانت الاشارة واضحة: «اياك يا كريستيانو اللعب في ريال مدريد، ولا تشتري عداوتنا».
1800 يورو للتذكرة
وبالعوة الى اجواء المباراة، فقد شهدت امورا جديدة عدة، بينها تحويل مدرجات علوية قرب السقف في الجهة المقابلة للمنصة الرسمية، الى «مقاعد ذهبية» للضيوف الكبار، بسعر بلغ 1800 يورو للتذكرة الواحدة لكن البرستيج كان خير عزاء، اذ يشمل السعر حفل استقبال في فيلا «مياني» في الضاحية الاخرى للنهر الذي يخترق العاصمة، ومنها الانتقال بعد تناول «بوفيه» خفيف الى الملعب بالحافلات، ووضع بطاقات خاصة واشارات في اليد، لحاملي هذه البطاقات.
وفي جديد البطاقات ايضا، جعلها ممغطنة كبطاقات الخطوط الخليوية، ووضع عدادات الكترونية على الابواب لفتحها. الا ان الابواب الخاصة بمنصة تيفيرني لم تتأقلم مع التكنولوجيا الرقمية، فتعطلت قبل 40 دقيقة على انطلاق ضربة البداية للمباراة، ما أثار حفيظة 2000 مشجع انجليزي، كانوا عانوا احباطا كرفاقهم الذين احسوا بأن شيئا ما يدبر ضد انتصارهم وبدأ بمنع بيع المشروبات الكحولية وخصوصا البيرة، في المقاهي والحانات، وهتف الانجليز ضد مراقبي الابواب، فتدخلت شرطة مكافحة الشغب، وانتهت المواجهة بدخول الانجليز حاملي البطاقات يدويا.
كذلك كان لافتا، وبشهادة الموظفين في مراكز بيع التذكارات الرسمية الصادرة عن الاتحاد الأوروبي، «أن شيئا ما اختلف هذه السنة، عبر الاقبال على شراء التذكارات، وصرف الآلاف من أوراق اليورو الرسمية نقدا على الصناديق.
وسيشهد مبنى «الكوليزيو» في روما، حيث اقيم مهرجان الاحتفال بالمسابقة بعد الظهر، واجريت مباراة صباحية شارك فيها لاعبون نجوم سابقون مثل الالماني رودي ڤولر، الهولندي فرانك ريكارد والبرتغالي روي كوستا وغيرهم، ستشهد تدوين حلقة من الاحداث التاريخية، عن حكاية كرة القدم في العصر الحديث، والتي جسدها أقوى فريقين في القارة العجوز حاليا.
ومن المشاهد العديدة التي شهدتها المباراة تماهي مشجعي الفريق «الكاتالوني» بلاعبين اثنين من تشكيلته، هما الارجنتيني ليونيل ميسي والاسباني تشافي هرنانديز، عبر ترشيح احدهما من الآن لنيل جائزة الكرة الذهبية لافضل لاعب في اوروبا لعام 2009، علما ان هرنانديز اختير افضل لاعب في المباراة، وسبق له نيل جائزة افضل لاعب في بطولة أوروبا 2008.
إسبانيا حاضرة
اشياء كثيرة حسمت في ليلة الاربعاء الماضي، ومنها ان اسبانيا باتت حاضرة في عالم انتصارات كرة القدم مجددا، وتحول الملك خوان كارلوس الى شخصية تحضر الى المنصة الرسمية طرفا في المنافسة على كأس، بعدما راقب وهو في سن الشباب استضافة بلاده مونديال 1982 من باب المشاركة ليس الا، وقد خرج منتخب «الماتادور» آنذاك من الدور ربع النهائي الذي ضمت مجموعته ثلاثة منتخبات هي المانيا وانجلترا واسبانيا.
كما خسر برشلونة تحت انظاره امام ستيوا بوخارست الروماني في الارض الاسبانية، وعادت الانتصارات الكروية الخارجية مع ريال مدريد في كأس الاتحاد الأوروبي اواسط ثمانينيات القرن الماضي، قبل الانتقال الى دوري الابطال عبر برشلونة وريال مدريد، ولاحقا اشبيلية في كأس الاتحاد، من دون ان ننسى وصافة ڤالنسيا في عامي 2000 و2001.
نكهة اسبانية تلف الكرة العالمية، وفريق «كاتالوني» خرج عن جدارة متوجا من روما كأقوى فريق لا في أوروبا فقط بل في العالم، ولمدة طويلة، ذلك ان مجموعته تضم لاعبين ينتظرهم الكثير مستقبلا، بقيادة مدرب ستكون له صولات وجولات.
لقد توجت روما بطلا بعد منازلة كروية داخلية، انضمت الى كثر شهدها الملعب والدولة الايطالية.
كانت ليلة برشلونة في روما، ليلة لم ينكسر فيها مان يونايتد، انما لم ينجح في التحول الى اول فريق يحتفظ بكأس دوري الابطال منذ ابصرت المسابقة النور بحلتها الجديدة، وهو ببساطة عجز بنجومه الكبار بقيادة «السير» المحنك اليكس فيرغسون عن اهداء لقب رابع في المسابقة الى روح «السير» الراحل مات بازبي، كما طالب الجمهور في الزاوية اليسرى للمنصة في الملعب، عندما رسموا لوحة خاصة بذلك.
روما توجت الاربعاء برشلونة عريسا لأوروبا، ورائدا في الحقبة المقبلة لقضية اسمها كرة القدم، تحرر الشعوب وتكرس المساواة، وتذل كل من تعرض لايتو في الملاعب على خلفية عرقية.
روما الخميس 28 مايو، مختلفة عما كانت عليه قبل ساعات، مدينة ضمت الى سجلها واحدة من الحكايات: برشلونة بطل أوروبا 2009.