- الحوطي: تعليم النشء السلوك المهذب والروح الرياضية كفيل بالقضاء على حالات الشغب
- عبدالقدوس: الحكام مطالبون بتقدير أكبر للأجهزة الإدارية والفنية والتعامل بطريقة أفضل معهم
- طاهر: الاتحادات مطالبة بتوفير طبيب نفسي يدرِّس «السلوك الانفعالي» للاعبين المشاغبين
- الخرافي: شغب الملاعب خليط من اندفاع الشباب والعدوانية الفردية والتأثير السلبي للبيئة
أجرى التحقيق - هادي العنزي
الشغب في ملاعب الكويت لا يتجاوز كونه حالات فردية غريبة على المجتمع الرياضي الكويتي، ولا يصل في أي حال لأن يكون ظاهرة، وشغب الملاعب ليس محصورا في لعبة بعينها، فبالأمس القريب شهدنا شغبا في مركز الشهيد فهد الأحمد خلال مباراة العربي وكاظمة في كرة اليد، وقبلها بفترة طويلة شهدت مباراة الجهراء وخيطان في كأس ولي العهد لكرة القدم نوعا أشد من الشغب عدَّه البعض عنفاً تجاه الحكم.
ويبقى شغب الملاعب حالات تتطلب البحث والدراسة عن أسبابها ومسبباتها، لإيجاد الحلول الناجعة، منعاً لانتشارها وتحولها إلى ظاهرة في ملاعبا.
«الأنباء» التقت عدداً متنوعاً من المختصين بالشأن الرياضي والطب النفسي، لسرد الأسباب المؤدية لتلك الحالات الفردية الغريبة والمستهجنة على الملاعب الكويتية وأفضل الحلول لهذه الظاهرة السلبية.. وإلى التفاصيل:
بداية، وجه قائد منتخبنا الوطني لكرة القدم في عصره الذهبي وحامل كأس آسيا سعد الحوطي بضرورة الاعتناء بلاعبي المراحل السنية وتعليمهم السلوكيات المنضبطة وغرس الروح الرياضية وثقافة الفوز والخسارة منذ سنواتهم الأولى في مزاولة الكرة، مضيفا: «قالوا ونردد (التعلم في الصغر كالنقش على الحجر) ويتدرج التعليم بحسب المراحل العمرية للاعبين، من خلال برامج تثقيفية على مدار الموسم مدعمة بتطبيق عملي خلال المباريات أولا بأول، أما بالنسبة للكبار فإن اتخاذ مبدأ الثواب والعقاب ضرورة لتقويم السلوك ومكافأة المجتهد».
ولفت إلى أن استفزاز الجماهير الرياضية أمر وارد الحدوث في كل مباراة، وعليه فإن حُسن التعامل مع تلك الأصوات العالية من ضرورات مزاولة النشاط الرياضي للاعبين.
وشدد الحوطي على أن قرار الحكم واجب الاحترام، والخصم زميل في الملعب والابتعاد كليا عن مجرد التفكير في كيفية إلحاق الأذى به.
وبين الحوطي أن الفرق العالمية ورغم تعرضها لظلم واضح من الحكم في بعض الأحيان، إلا أننا نشاهد تبادل القمصان والتسامح بين لاعبي الفريقين، وهذا مرده إلى التركيز على مبادئ ثابتة عند تعليمهم في عمر مبكر، كما أن الملاعب الكويتية لم تشهد ولأعوام طويلة خلت أحداث شغب داخل الملعب أو خارجه، نظرا لانضباط اللاعبين سلوكيا، ومعرفتهم التامة بعواقب أي شغب أو عنف يقدمون عليه.
وطالب الدولي الأسبق سعد الحوطي إداريي جميع الفرق بضرورة عقد اجتماعات دورية مع اللاعبين كل على حدة، لمعرفة الظروف الأسرية والاجتماعية التي يمرون بها، للاطمئنان عليهم من جهة وسعيا لتقديم المساعدة بما يضمن تقديم اللاعب لأفضل المستويات مع فريقه.
الجماهير المستفزة
من جهته، قدم قائد منتخب الكويت في عصره الذهبي وأحد أبرز من أنجبت الملاعب الخليجية بكرة اليد إسماعيل عبدالقدوس عددا من النصائح المهمة لإخوانه اللاعبين، مؤكدا أن أحد أسباب الشغب الذي تشهده الملاعب الكويتية داخل الصالات أو في الملاعب المفتوحة نتيجة لاستفزاز عدد من الجماهير الرياضية للاعبين، مضيفا: «على اللاعبين عدم الالتفات لصيحات الجماهير مهما علت أو تناولته بسوء، والرد عليهم بذات الوقت من خلال اللعب الجاد في الملعب وإبراز الجودة، وحينها فقط سيجد ردا مختلفا من الجماهير ملؤه التقدير لموهبته والاحترام لسلوكه.
وطالب بإنزال عقوبات صارمة على المتسبب في حالات الشغب، مشددا في ذات الوقت على عدم الإفراط في معاقبة اللاعب، تقديرا لجهوده والضغط الكبير الذي يتعرض له خلال مختلف المنافسات، ومحذرا من مغبة شطب اللاعبين، التي حرمت الكويت من لاعبين مميزين.
وطالب عبدالقدوس الحكام بضرورة الحرص على تقديم شيء كبير من الاحترام للأجهزة الفنية والإدارية أثناء المباريات، وما من مانع يمنعهم من تقديم تبرير سريع لقرار أثار تحفظهم، لأن تجاهلهم من شأنه أن يزيد من غضب اللاعب ويوتره أكثر، ما قد يؤدي إلى نهج تصاعدي سريع يسيء للجميع.
كما لفت عبدالقدوس نظر الحكام لأهمية التعامل مع اللاعب مرتكب الخطأ، فمن غير المبرر الوقوف أمامه وكأنها إشارة تحد من الحكم صاحب القرار، وأضاف ان في أوروبا الحكم ما أن يتخذ العقوبة بحق المخالف حتى يبتعد عنه مباشرة، ناهيك عن كونه يكون - على الأغلب - مبتسما أثناء إعلان العقوبة، ما يخفف من وقعها على اللاعب من الناحية النفسية.
أسباب الشغب
إلى ذلك، نسبت الأستاذ المساعد في قسم علم النفس بكلية العلوم الاجتماعية د.نعيمة طاهر حالات العنف أو الشغب التي تشهدها العديد من دول العالم، إلى عدة أسباب تأتي في مقدمتها الضغوط التي يتعرض لها اللاعب داخل الملعب سواء من الجماهير الحاضرة أو المسؤولية في الفريق، والتي عادة ما تأتي بحثا عن الفوز بغض النظر عن صعوبة الخصم والمنافسة، مضيفة: «عدة عناصر تراكمية خلال المباراة من شأنها أن تأخذ باللاعب إلى ذروة الانفعال العصبي، مما يخرجه عن السلوك الذي عادة ما يظهر به، فيحدث ما لا تحمد عقباه».
ولفتت طاهر إلى أن تأثير الأسرة يكاد يكون معدوما على اللاعبين الكبار، فهم في مرحلة «الاستقلالية الشخصية» التامة بعكس الناشئين والشباب الذي يكونون أكثر عرضة للمتغيرات المحيطة وتأثرا سلبا وإيجابا بها.
المتخصصة في علم النفس الجنائي د.نعيمة طاهر ذكرت أيضا أن التنشئة لها دور في تكوين الشخصية بكيفية التعامل، لكنها ليست عاملا محفزا، وأضافت الشخصية العدوانية تكون أكثر جاهزية للاستثارة من قبل الآخر، بعكس الشخصية الهادئة التي تكظم الغضب، بل وهناك عدد من الأفراد يحول الأجواء السلبية إلى دافع إضافي لتحقيق أهدافه.
ورفضت طاهر نظام العقوبات الصارم الذي تتخذه الاتحادات والجهات المسؤولة عن الرياضة تجاه المخطئ، مطالبة بضرورة توفير طبيب نفسي مختص يدرس كل حالة على حدة ويتابعها من خلال برنامج علاج نفسي متكامل حتى لا تعود لمثل تلك التصرفات مرة أخرى، لاسيما تلك الحالات التي تعاني من «اضطراب انفعالي»، وعلينا الاستجابة لحقيقة ماثلة أمامنا بأن المجتمع أصبح أكثر تقبلا للاستشارات النفسية، وهناك الكثير من المؤسسات لديها اخصائي نفسي.
«المشاغب».. بين البيئة و«العدوانية»
من جهتها، أرجعت أستاذ مساعد بقسم علم النفس التربوي بجامعة الكويت د.نورية الخرافي شغب الملاعب أو العنف الذي يظهر بين فينة وأخرى إلى الشباب والمراهقين بدرجة أكبر، وهو خليط من عدوانية الفرد وتأثير البيئة وتوافر العوامل التي يراها مستفزة، وأضافت يأتي الشباب باندفاعهم المعتاد إلى الملاعب وملؤهم الحماس والرغبة بالفوز، وإذا بهم يجدون أنفسهم يخسرون المباراة التي جاؤوا للاحتفال بفوزها، فيلجؤون للعنف أو الشغب الصاخب كنوع من التنفيس عن الغضب والإحباط الذي تعرضوا له، وهذا الأمر لا يقترن بفترة زمنية بعينها وإنما نجده سابقا وآنيا وسيتكرر مستقبلا على الأرجح، ولفتت الخرافي إلى أن الشغب أو العنف أخذ بالانتشار ولم يعد حصرا على الملاعب فقط، فهناك عنف في المدارس الابتدائية والمتوسطة للأسف وآخر في الشارع ترصده مواقع التواصل الاجتماعي بشكل متواصل.
وأكدت د.نورية الخرافي أن وسائل التواصل الاجتماعي أضحى لها دور محفز للعنف أو الشغب، وقالت ان الكويت تبقى أفضل حالا من كثير من الدول، فهناك مدن أو قرى يهجرها أهلها حين موعد إقامة مباراة في منطقتهم خوفا مما يصاحب الحدث الرياضي من شغب وعنف في كثير من الأحيان.
وطالبت الخرافي ببرامج تثقيفية لجميع المنتمين للحقل الرياضي من لاعبين ومدربين وإداريين والحكام على حد سواء، فيما يكون نشر ثقافة التسامح وتعزيز الروح الرياضية لدى الجماهير عبر وسائل الإعلام المختلفة ومؤسسات المجتمع المدني، وارتأت أن تطبيق العقوبات المغلظة على مرتكبي الشغب أو العنف الرياضي ضرورة ملحة لكي يرتدع الآخرون.