بقلم: د. عبدالعزيز السدحان (السعودية)
إن من أصول أهل السنة والجماعة: انهم يؤمنون بأن الله تعالى مستو على عرشه، كما أخبر تعالى عن ذلك في سبعة مواضع من كتابه الكريم، منها كما في سورتي الأعراف ويونس (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش)، وفي سورة الرعد (الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش)، وفي سورة السجدة: (الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش).
ولقد جاء تعريف الاستواء في لغة العرب على أربعة معان، وهي: علا، وارتفع، وصعد، واستقر، وأما استواء الله تعالى على عرشه فيعتقد أهل السنة والجماعة أن الله مستو على عرشه استواء حقيقيا يليق بجلاله وعظمته، دون تشبيه أو تعطيل أو تمثيل، فمعنى الاستواء معلوم وكيفيته في حق الله تعالى فمجهولة، سئل الإمام مالك رحمه الله تعالى عن قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) كيف استوى؟ فأجاب رحمه الله تعالى بجواب مشهور تناقله أهل السنة، وهو قوله: «الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة»» قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: «فانظر إليهم كيف أثبتوا الاستواء لله وأخبروا أنه معلوم، لا يحتاج لفظه إلى تفسير، ونفوا عنه الكيفية».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: «والقول الفاصل هو ما عليه الأمة الوسط: من أن الله مستو على عرشه استواء يليق بجلاله ويختص به، فكما أنه موصوف بأنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير وأنه سميع بصير ونحو ذلك، ولا يجوز أن يثبت للعلم والقدرة خصائص الأعراض التي كعلم المخلوقين وقدراتهم، فكذلك هو سبحانه فوق العرش ولا يثبت لفوقيته خصائص فوقية المخلوق على المخلوق وملزوماتها .ثم قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: «واعلم أن ليس في العقل الصريح ولا في النقل الصحيح ما يوجب مخالفة الطريقة السلفية أصلا».
لقد جاءت تفاسير كثيرة لمعنى استواء الله تعالى تخالف ما عليه سلف الأئمة، ويمكن إجمال تلك التفاسير الباطلة لمعنى الاستواء في مذهبين اثنين، الأول: مذهب المشبهة والمجسمة، وهم أولئك الذين يشبهون الخالق بالمخلوق، فيجعلون استواء الخالق كاستواء المخلوق تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. والمذهب الثاني: مذهب أهل التعطيل النفاة، أولئك الذي يزعمون أنه ليس هناك استواء حقيقي وينفون أن يوصف الله بذلك، ويزعمون أن الله ليس فوق السماوات تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.ومن تلك الأقوال الباطلة في تفسير استواء الله زعم بعض الناس أنه بمعنى العظمة والعزة والقهر وغير ذلك، وشاهد المقال أن جميع المخالفين لأهل السنة ينفون صفة الاستواء اللائقة بالله تعالى. وأما العرش: فيعتقد أهل السنة والجماعة أنه عرش حقيقي كما أخبر الله تعالى عن ذلك في مواضع كثيرة من كتابه الكريم كقوله تعالى (رفيع الدرجات ذو العرش)، وقوله (ثم استوى على العرش).
وكذا جاءت نصوص صحيحة صريحة في سنة النبي صلى الله عليه وسلم. وأما معنى العرش في اللغة: فهو سرير الملك، كما أخبر الله تعالى عن ملكة اليمن (ولها عرش عظيم) وعليه فعرش الرحمن عرش حقيقي، جاء في الكتاب والسنة أوصاف له، فمن صفاته أن له قوائم وأنه سقف المخلوقات جميعا. وهو محمول تحمله الملائكة وتحف حوله، وتسبح بحمد ربها، ، ومن صفاته أيضا أنه عرش مجيد.
ثم إن أقواما قد ضلوا فيما يتعلق بعرش الرحمن تعالى، وحرفوا الكلم عن مواضعه، فزعم بعضهم أن العرش فلك مستدير، سماه بعضهم الفلك الأطلس، وسماه آخرو: الفلك التاسع، وزعم آخرون أن المراد بعرش الله تعالى: ملك الله، وليس هناك عرش حقيقي وهذه أقوال مخالفة لكتاب الله تعالى ولسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولإجماع أهل السنة. ومما يدل على بطلان تلك الأقوال: ما ثبت في النصوص وقرره أهل السنة في معتقدهم من أن العرش عرش حقيقي له صفات معلومة، فهو عرش عظيم مجيد، بهي المنظر، حسن الشكل، كهيئة القبة، له قوائم، تحمله ملائكة عظام ما بين شحمة أذن أحدهم وعاتقه مسيرة سبعمائة عام، وهذا العرش العظيم سقف المخلوقات وأثقل الموزونات.
وثمرات الإيمان بالعرش كثيرة، منها التصديق بما أخبر الله تعالى به، وبما أخبر عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، وموافقة سلف الأمة في اعتقادهم في العرش بأنه عرش حقيقي، كما أخبر الله عنه ووصفه، لا كما يقول المؤولة والمحرفة بأنه عبارة عن ملك الله أو فلك من أفلاك الكون وكذلك من الثمرات زيادة إيمان العبد بربه، فإذا آمن العبد بالمغيبات التي أخبر الله بها، زاد ذلك في إيمانه وثباته.