كان منافقا ولم يزل كذلك حتى أهلكه الله تعالى.
لقد كان قارون من عشيرة موسى بن عمران النبي، وهو ابن عمه لابيه وأمه الا انه لم يكن مؤمنا بل كان جبارا متكبرا باغيا، وكان له من الاموال الشيء الكثير، فلقد اتاه الله من الكنوز ما ان مفاتحها لتنوء بالعصبة اولي القوة من الرجال.
ومع كل هذه النعم التي اعطاه الله اياها بدلا من ان يشكر بغى وطغى، فجاء بنو اسرائيل ومعهم موسى فقالوا: ويحك يا قرون ما حملك على ما صنعت؟ هذا موسي نبي الله، وهو ابن عمك، وقد اهلك الله عدونا، وبسط لك من الدنيا ما لم يعطه احدا من بني اسرائيل فلا تفرح، اي: لا يحملنك على ما تصنع البطر، ولا تبطر ان الله لا يحب المبطرين، وخذ حظك من الدنيا لكن من غير ان تتكبر، قال الله تعالى مخبرا عن قول قوم قارون له: (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا واحسن كما احسن الله اليك ولا تبغ الفساد في الارض ان الله لا يحب المفسدين) «القصص: 77».
اي: لا تبغ يا قارون على قومك، بكثرة مالك، والتمس فيما اتاك الله من الاموال خيرات الآخرة، بالعمل فيها بطاعة الله في الدنيا.
وقوله: (ولا تنس نصيبك من الدنيا) يقول: ولا تترك نصيبك وحظك من الدنيا، ان تأخذ فيها بنصيبك من الآخرة، فتعمل فيه بما ينجيك غدا من عقاب الله.
ولكن بدلا من ان يستمع الى نصيحة قومه، ويشكر الله تعالى على هذه النعم، نسب الفضل اليه، فقال لقومه الذين وعظوه: انما اوتيت هذه الكنوز على فضل علم عندي، فرضي بذلك عني، وفضلني بهذا المال عليكم، لعلمه بفضلي عليكم.
ثم لم يقف عند هذا الحد بل بغى على قومه فخرج عليهم بزينته مختالا فخورا، معجبا بما عنده من الاموال والعبيد والخدم والحشم حتى فتن به بعض الناس، قال تعالى: (فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها الا الصابرون) «القصص: 79 ـ 80»، ولما فعل قارون ذلك خسف الله به وبداره وبأمواله الارض.