متحف الشمع ـ «متحف مدام توسو»
كانت «مدام توسو» من أبرز نساء عصرها الذي كان حافلا بالأحداث، فقد شهدت وهي صبية سقوط الملكية في فرنسا وقيام الجمهورية.
ولدت مدام توسو «ماري آن جرو ثولتس» في السابع من ديسمبر 1761 في بلدة ستراسبوغ التي كانت فرنسية في تلك الفترة وكان والدها قد توفي قبل ولادتها بشهرين مما حدا بأمها أن تعود إلى أهلها في بيدن عاصمة سويسرا لتعيش تحت رعاية شقيقها كورتيس الذي كان من أشهر الأطباء في تلك المدينة ومدرسا للطب، وكان يعلم الطلبة التشريح، وجرت العادة ان تصنع تماثيل من الشمع تمثل أجزاء الإنسان.
وقد برز كورتيس في صناعة تماثيل الشمع فأخذ في وقت فراغه يقوم بعمل تماثيل لمشاهير الرجال في المدينة، ورحل كورتيس الى باريس وأقام له فيها متحفا والذي كانت الأسرة المالكة وكبار رجالات الدولة ورجال الفن والأدب يزورونه.
وكان كورتيس يقوم بصنع تماثيل لهؤلاء بالحجم الطبيعي، وقد دعا كورتيس شقيقته الأرملة وابنتها لتقيما معه، وأثناء إقامة شقيقته وابنتها معه أخذ يعلم ابنة شقيقته صنع التماثيل بعد ان لمس موهبتها، حتى ان فولتير جلس لها لتصنع له تمثالا وهي ما زالت في السابعة عشرة من العمر ومازال هذا التمثال قائما في المتحف في لندن إلى اليوم.
حتى أصبحت تلك الشابة صديقة لسيدات الأسرة المالكة ومنهن اليصابات شقيقة الملك لويس السادس عشر التي طلبت منها ان تقيم معها في قصر فرساي، وفي عام 1783 جلس إليها الزعيم الأميركي بنيامين فرانكلين لتصنع له تمثالا وما زال هذا التمثال قائما أيضا في المتحف بلندن.
وأثناء الثورة الفرنسية لم ينج رأس ماري من المقصلة غير براعتها في صنع التماثيل وكانت تقاد يوميا الى قاعدة المقصلة حليقة الرأس فيرمى اليها بالرؤوس المتطايرة لتصنع لها نماذج من الشمع تعلق في أرجاء باريس ليراها الفرنسيون.. نعم.. ليشهدوا سقوط الطغاة، وهكذا جزت أعناق أصدق أصدقائها أمام عينيها.. ماري انطوانيت.. اليصابات.. لويس السادس عشر. وفي يوليو 1794 اقتيدت ماري الى مقبرة المادلين لتجد رأس روبسبير.. ومن عندها اطلق سراح ماري.. لكن الثورة التهمت خالها ولم تجد حولها من الأصدقاء سوى فرانسوا توسو وهو مهندس.
وفي عام 1795 تم زواج ماري بالسيد توسو وأصبحت تعرف «مدام توسو» وولد لها منه ولدان هما جوزيف وفرانسيس.
وقد حملت ماري ابنها جوزيف وعددا من تماثيلها مرتحلة الى لندن، وقد أثرت ثراء كبيرا في بريطانيا.. وعند بلوغها سن السبعين قررت ان تقيم معرضا ثابتا في لندن، وفي عام 1842 وكانت في سن الحادية والثمانين صنعت لنفسها تمثالا، وعند وفاتها حمل جثمانها عشرات الألوف، وقد تولى إدارة المتحف بعدها ابناؤها وأصبحت صناعة التماثيل الشمعية حرفة يتوارثها الأبناء عن الآباء.
(من كتاب: موسوعة ينابيع المعرفة ـ إعداد: د. قاسم الأسدي)