أستاذ التنمية الإدارية
منذ بداية العام 2020 وتحديدا منذ الربع الأول بدأت بوادر انعكاسات وانتكاسات في العالم هنا وهناك، تشير الى أن الأوضاع تجري خلاف ما يريده البشر، وفعلا تبدأ الأحداث من الصين، لتجوب العالم أجمع، صدقها أناس وأنكرها البعض، واستهزأ بها آخرون.. إنها كورونا!
كوفيد-19 بدأ كمرض وانتشر ليصبح وباء ثم غطى الكون بجائحة لم تخطر ببال أحد، من هول الصدمة اعتقد من لم يصدقها في البداية أنها دراما ثم بدأ بإطلاق النكات معتبرها فيلما فكاهيا(كوميديا) لا يخلو من (الأكشن) إلى أن فتكت الجائحة بملايين المصابين وخنقت آلاف المرضى ليصبح الفيلم واقعا (تراجيديا) مأساويا قلب الدنيا رأسا على عقب..
انتكست دول، وتوقفت أعمال، وتساقطت المليارات وخفت بريق المشاهير.
- من يصدق أن وظيفة كابتن طيار، كانت حلم الكثير من الشباب، أصبحت وظيفة طاردة، فما الذي حصل؟
الطيارون الذين كانوا يقضون جل أوقاتهم بين السماء والأرض أصبحوا جاثمين هم وطائراتهم بلا حراك، بلا رواتب ولا عمل، من يصدق أن وظيفة عامل التوصيل قائد الدراجة النارية أو من يقود مركبة متهالكة أصبح أكثر أهمية من كابتن وقائد الطائرة ويتقاضى راتبا يفوق وظائف توقفت أو ستتلاشى للأبد، إنها الدنيا المعكوسة.
- عملك في بيتك بلا عودة للدوام في مكان العمل، بلا بصمة، ولا مشاحنات، ولا ملاحقة رئيس قسم ورقابة مسؤول وتصيد مدير يحصي دقائق وجودك وحضورك. من يصدق أن العمل عن بعد أصبح أكثر إنتاجية وتحقيقا للأهداف وتخفيضا للمصاريف.
الكثير من جهات العمل الحكومية أو القطاع الخاص لاحظت أن العمل يسير بطريقة أفضل وأسرع وبجودة ودقة فائقتين بالعمل عن بعد، إنه الإنجاز الإلكتروني، بلا روتين وساعات ضائعة بالحضور أو بتكدس الموظفين والمراجعين، وبعض الجهات تفكر جديا في تقليص موظفيها أو عدم العودة نهائيا لكثير من الوظائف والموظفين والاكتفاء بعملهم من منازلهم، وهذا ما صرحت به شركة هيتاشي اليابانية بأنها حتى لو انتهت الجائحة وتعود الحياة كما كانت، فإنهم سيبقون على أكثر من 70% من موظفيهم يعملون عن بعد سواء من بيوتهم أو في منتجعات أو الأرياف وسموا هذه الحالة بـ (ووركيشن) work أي العمل vacation الإجازة، وأن الموظف يستمتع بوقته مع أهله والقرب منهم أو يخرج للمنتزهات، لا مانع من كل ذلك مادام أنه يؤدي المطلوب منه ويحقق أهداف الإدارة المرسومة والمعلنة، ويأتي للعمل يومين بالأسبوع أوعند الضرورة، ويكون تقييمه وتقويمه بناء على ما تم إنجازه وليس لعدد ساعات حضوره أو انصرافه كما قبل كورونا، وبذلك يحصل توازن حياتي وعملي يقلل الضغوط ويزيد الإنتاجية ويزيد الاستمتاع بالحياة الشخصية.
وهذا ما نعتقد بأنه سيكون مصير الكثير من الشركات باليابان وربما تتطلب المرحلة القادمة العمل بهذا الأسلوب في كثير من الدول لبعض الوظائف على أقل تقدير، فعلا إنها الدنيا المعكوسة، التي أثرت على معظم أعمالنا سواء بالمرض أو التعافي، والمتفائل دوما هو من يقتنص الفرص ويطور الأعمال في كل الأحوال.
DrAhendal@