لكل دولة مصالح عليا وغالبا ما تكون هذه المصالح منبعثة من اعتبارات وأساسيات لا يتم التفاوض عليها بمعنى حين يكون المطلب يتعلق بضروريات تمس النظام العام والمصلحة العامة تفرض الضرورات آليات عمل مختلفة عما هو متعارف عليه.
وحين نعدد الضروريات الأساسية للدولة يأتي الأمن في مقدمة الأولويات لما يمثله من ركيزة اساسية في ذود المخاطر عن الدولة والمواطنين إذن كل ما يتعلق بالأمن يتعلق بالمصالح العليا للدولة.
لذا غالبا ما نطالب بأن يكون الأمن بمختلف مؤسساته في الدولة محصننا من الأهواء وأن توضع تحت كلمة أمن خطوط حمراء حتى لا يتم الإخلال بهيبة الدولة ومصالحها العليا لتتمكن مؤسسات الدولة الأمنية من فرض السلطة العامة وتطبيق النظام العام.
ويأتي هذا الفرض من خلال تعزيز الأمن بكل ما يحتاجه في عمله من اجهزة عسكرية وأسلحة وغيرها من المتعلقات الأمنية التي تعين العسكريين من فرض هيبة القانون والدفاع عن الدولة وحفظ هيبتها في حالتي السلم والحرب.
لذلك غالبا ما يتم تخصيص ميزانيات مفتوحة للمؤسسات العسكرية لتلبية متطلباتهم وفق الرؤية التي يرون أنها تحقق مصالح الدولة العليا وفقا لتقديراتهم الأمنية والعسكرية التي غالبا ما تتسم بطابع السرية ويحظر النشر او التعليق حولها.
ولنأتي قليلا للحديث حول الميزانية التي تخصص سنويا للمؤسسات العسكرية بمختلف القطاعات سواء لوزارة الدفاع أو الداخلية أو الحرس الوطني للتزود بالسلاح الذي يحتاجونه في مؤسساتهم، حيث ان تقدير هذه الميزانية السنوية لا يأتي وفق أهواء شخصية بل يأتي بعد دراسة وافية للمستجدات التي تطرأ على الساحة الإقليمية والدولية فتتطلب عليهم طلب ميزانية مفتوحة بمعنى ان إقفال الميزانية او تقديرها قد يختلف في بداية العام عن منتصف العام لما قد يستجد في المشهد السياسي العالمي.
فالإجراءات الاحترازية هذه من الضرورات الأمنية التي لا يتم الجدال او النقاش حولها أو حتى الجهر بتفاصيلها وغالبا ما تتمتع بالسرية لأنها تقع في منظومة المصالح الأمنية للدولة.
الكل يعي تماما ان النقاش في شتى أمور الدولة نقاش يتم تداوله في وسائل الإعلام المختلفة والإعلام مفتوح فهو لا حدود جغرافية له بل يطلع عليه الكل لذا فإننا دائما ما نطالب بان تتسم اخبارنا الأمنية بطابع السرية وهذا حق مكفول لكل دولة فهناك امر تبديه وآخر تخفيه وهذا حق مشروع.
ومن هذا المنطلق، تظهر الحاجة الماسة الى ضرورة إلغاء الرقابة عن ميزانية بند التسليح أو حتى صفقات السلاح التي تبرمها الدولة لنضفي عليها طابع السرية وهذا حق مشروع وأعتقد أن كل غيور على مصالح الدولة لن يغضبه ذلك الأمر وبالأخص ان المعنيين بالرقابة على ميزانية بند التسليح ليسوا عسكرين وليس لديهم خبرات عسكرية وبالتالي فإن رقابتهم غير مجدية ولا تصب في الصالح العام بل ستكون كما نشهده حاليا مدخلا لأسئلة نيابية قد تؤثر على مصالح الدولة العليا.
البعض قد يقول ان حق الشعب ان يتحقق من ان هذه الأموال تسير في مجراها الصحيح وبعيدا عن الشبهات وهذا بالتأكيد حق مشروع بحيث تكون الرقابة على صفقات الأسلحة المختلفة التي تبرمها المؤسسات العسكرية من خلال لجنة الداخلية والدفاع بحيث يعرض الوزير المختص على أعضاء اللجنة الميزانية المعتمدة وتفاصيلها وعدد الصفقات المبرمة بطابع من السرية بعيدا عن الإعلام وبعيدا عن رقابة أشخاص ليسوا على دراية بمتطلبات العمل الأمني وتداعياته.
من جانب آخر إضفاء طابع السرية على تداعيات التعاقد مع مصانع أسلحة دون أخرى وذلك لأن هذا التعاقد قد يندرج تحت مصالح الدولة القومية.