إن أزمة التعليم والشهادات المزورة التي ظلت بظلالها علينا تجعلنا لابد من الفصل بين تنظيم قانون التعليم لحملة الشهادات الثانوية وحملة الشهادات الجامعية، فحملة الشهادات الثانوية من الضروري أن يكون لديهم قانون خاص بهم بحيث يلتزم الطلبة المقيدون بالجامعات بالحضور وأداء الواجبات المطلوبة منهم لنيل درجة البكالوريوس وذلك لأن إعدادهم للحصول على الشهادة الجامعية يتطلب حضورا وانتظاما في التعليم لنضمن انهم حصلوا على الدرجة الجامعية بجدارة وتم إعدادهم علميا بصورة صحيحة حتى يتسنى لهم نيل المهارات اللازمة والمفترضة ان يحصل عليها الطالب الجامعي.
ولكن هناك فئة اخرى من المتعلمين وهم الحاصلون على المؤهل الجامعي ولكن يرغبون في تخصص آخر لنيل شهادة جامعية أخرى أو طلبة الدراسات العليا، وهؤلاء لابد أن يتم التمييز بينهم وبين الفئة الأخرى بحيث هذه الفئة تحديدا قد تم إعدادهم علميا في البكالوريوس الأول الذي حصلوا عليه، وهم في الغالب موظفون لديهم العديد من المهارات العلمية والعملية التي ساهمت في اتساع آفاقهم، ولكن بما أن حق التعليم كفله الدستور لذا لا نستطيع ان نمنعهم من التخصص في تخصصات أخرى أو الحصول على مؤهلات عليا كالماجستير والدكتوراه ولا يمكن مساواتهم بطلبة الثانوية وذلك لأنهم جامعيون.
لذا، فمن الضروري أن يتم تمييزهم بقانون خاص بهم ينظم عملية اعتماد شهاداتهم الأخرى التي يرغبون في الحصول عليها سواء أكانت تخصصا جامعيا آخر او دراسات عليا، وهم بالتالي بحاجة إلى تشريع قانون يحفظ حقوقهم الدستورية في حقهم بالتعليم والنهل من بحر المعرفة بالطريقة التي تريحهم وتشبع شغفهم العلمي، فلا تملك الدولة أن تمنع أي مواطن من أن يتخصص في تخصص آخر أو أن يكمل دراساته العليا وذلك لأن هذا نبراس وعنوان تقدم الدول في ان يكون مواطنوها متعلمين ويحصلون على تخصصات متنوعة وعليا فلا ضير من ذلك على الإطلاق، إلا ان العملية بحاجة الى تشريع خاص حتى لا يتم ظلم فئة او مساواتهم بمن لا يحملون مطلقا الشهادة الجامعية.
فنجد على سبيل المثال أن نظام الانتساب معمول به في كثير من دول العالم والشهادات بالتالي معتمدة، فما الذي يمنع «التعليم العالي» من أن تعيد الاعتراف بمثل هذا النظام لمن لديهم تخصص جامعي ويرغبون في بكالوريوس آخر أو الماجستير أو الدكتوراه، فهذا النظام يعتمد على التعلم الذاتي بالدرجة الأولى ومن لديه الاستعداد والقدرة الأدبية والعلمية والشهادة الجامعية فهو بالتالي مؤهل ان ينال التخصص الآخر عن طريق الانتساب بكفاءة لأنه مؤهل علميا.
من جانب آخر، فتطور التعليم اليوم لديه جوانب متعددة، فنجد أن الإنترنت قد فتح الآفاق لعديد من الجامعات بالحضور عبر جهاز الحاسب الآلي وحضور المحاضرات إلكترونيا وأداء الواجبات وإرسالها عن طريق الإنترنت، وهنا نستطيع ان نفتح المجال ليشمل حتى طلبة الثانوية، فاليوم مع وجود الكاميرات بالكمبيوترات يستطيع أستاذ المادة ان يتحقق من وجود طلبته شخصيا أون لاين وبأنهم يسمعون محاضرته وهم بالتالي قادرون على المشاركة أيضا خلال المحاضرة بالطريقة ذاتها وتسليم الواجبات.
إن النظر إلى التشريعات الخاصة بالتعليم يجعلنا نقف أمام تشريعات قديمة لا تواكب تطور العصر وتلبي بالتالي احتياجات المواطنين، وهذا ما اسفر عن بروز العديد من الأزمات التعليمية وهي بحاجة إلى إعادة دراسة من قبل اللجنة التعليمية في مجلس الأمة، فالحكومة والمجلس هدفهما إدارة شؤون المواطنين وتحقيق الرخاء لهم وسن القوانين التي تلبي احتياجات الأفراد حتى نقضي على كثير من جوانب الفساد التي تتفشى بين الحين والآخر.
وحقيقة فإن التشريعات الحالية بحاجة إلى إعادة غربلة حتى تتمتع بالمرونة الكافية التي تلبي احتياجات المواطنين ولا تصعب وتشق عليه تكبد تبعات الحياة، فالهدف هو عدم تضييق الخناق على المواطن وتكبيله بقوانين لا تتناسب مع العصر.