لاشك أن كلا منا يود العيش الكريم ضمن مملكته الصغيرة في بيت سعيد به كل مستلزمات الحياة العصرية، ولكن العذر أن نبالغ في هذه الأمور ونخرجها من إطار التواضع إلى إطار الفخر والمباهاة، لقد ظهر لدينا صنف غريب من البشر داسوا على القيم والتواضع وانطلقوا إلى عالم الفخر والمباهاة، ودفعهم هذا الفخر الى التمسك بحياة لها مقاس أكبر من مقاسهم، ولننظر إلى انفسنا فماذا يحدث لنا إذا ارتدينا مقاسا أكبر من مقاسنا؟ فلاشك أننا سنتخبط ونصبح أضحوكة أمام الآخرين، وفي عالمنا هذا كثير من التعساء الذين مدوا أيديهم إلى السلف والدين من البنوك والمؤسسات العالمية وذلك للعيش في بيوت فاخرة وامتلاك السيارات الفارهة، والسفر إلى أقصى بقاع العالم تقليدا أعمى لغيرهم.
الفقر بحد ذاته ليس عيبا، ولكن العيب أن نمد أيدينا للسلف من البنوك والمؤسسات المالية ونعجز عن سدادها، ولا شك ان النوم على الخيش من دون ديون راحة للبال وهو أحسن من نومنا على الحرير والمزيف بديون مثقلة، وهذه يمكن لنا ان نتعلمها من علمائنـا الاجــلاء فها هو إمامنا الجليل شمس الدين النووي الذي كان لا يملك يوما لحافا ينام عليه، وكذلك نتعلم من إمامنا القدير أحمد بن حنبل الذي كان عالما جليلا وفقيرا، فكان يعمل حمالا وكان لا يملك من متاع الدنيا إلا الثوب الذي يرتديه، فأثرى هؤلاء العلماء الأجلاء الحياة بفكرهم وجهدهم العلمي في الدنيا والدين، وملأوا الكون خيرا وعلوما نافعة، فماذا جنى هؤلاء الذين استدانوا من البنوك والمؤسسات المالية إلا الحسرة والندم، هل وجد هؤلاء السعادة؟
فما أثقل هذه الديون! وكلما زاد الدين ثقلت الهموم، وقد حاول هؤلاء التعساء الرفع من وسطهم الاجتماعي ووضعوا انفسهم في وضع محرج فزادتهم الديون تعاسة أكثر من الوقت الذي باتت المؤسسات المالية تطارد الكثيرين منهم بعد ان تهافتوا وراء الأوهام والأحلام الوردية فسقطوا في هاوية غبائهم، وقد بات التواضع عارا لدى هؤلاء حيث يعتبرون العيش المتواضع رمزا للفقر وعدوا للسعادة ونأمل أن يخبرنا أحد هؤلاء التعساء هل وجد هذه السعادة الواهمة بامتلاك أفخم السيارات والقصور الغالية والسفريات العديدة لأقصى بقاع العالم؟
إن الثائرين بركب المظاهر الخداعة وقعوا في مستنقع خطر لا يخرجون منه أبدا ولهذا انتصرت عليهم الديون وعجزوا عن سدادها والوفاء بالتزاماتها وبلا شك يا اخوتنا إن التواضع هو ثمرة الخلق القويم.