عبدالعزيز المطيري
قد يتذكر البعض منكم، تلك المقالة التي نشرت في «الأنباء» الغراء في نهاية السنة الماضية، والتي كانت تتحدث عن مصير كوسوڤو بين الولايات المتحدة وروسيا، وكيف انها ورقة ضغط او مساومات على الدرع الصاروخية، ويبدو ان الاخيرة، لم تقنع بما تقدمه الاولى من خيارات، خاصة في ظل ضغطها – بشدة – على بعض دول اوروبا الشرقية للانضمام الى حلف الناتو، او بناء الدرع الصاروخية الذي يضر – ويمكن ان يهدد – المصالح الروسية، فاضطرت روسيا الى استعمال ورقة اخرى ناجحة وذكية، وباستعمال القوة ايضا، لايضاح جدية موقف القيادة الروسية من هذه الدرع.
فقبل افتتاح اولمبياد بكين بيومين، تبادلت جورجيا واوسيتيا الجنوبية – الاقليم المنفصل – الاتهامات، حول الطرف الذي اشعل المناوشات، التي ولّدت فيما بعد، الحرب التي حدثت، في يوم انشغال العالم بافتتاح اولمبياد بكين، ورغم – من وجهة نظري – ان الطرف الجورجي هو الضحية في هذه المناوشات، الا انه وقع ضحية استفزاز واستعراض قوة، اجبرته على اتخاذ خيار خاطئ في هذه اللعبة، التي اتضحت فيما بعد انها ورقة ضغط ذكية استخدمها طرف على مستوى المساومات المحلية والدولية، من اجل حماية مصالحه، ليتم تطبيق مقولة المفكر العسكري والجنرال البروسي كارل فون كلاوزفيتش «الحرب هي استمرار للسياسة، بوسائل اخرى».
ويمكن ان نرى ان روسيا هي المستفيد الاكبر من هذه الحرب، فهدوء اعصاب جورجيا في محل شك، الامر الذي يستبعد قبولها في حلف الناتو، لخاصية وضعها، ووقوع حدودها مع ند مهم هو روسيا، وكذلك انضمام اوسيتيا الجنوبية المنفصلة، الى اوسيتيا الشمالية الواقعة في اتحاد الجمهوريات الروسية، لما تمثله من موقع استراتيجي مرتفع من الجبال يسهل مراقبة وقصف المواقع والعاصمة الجورجية «تبيليسي».
وايضا لسان جغرافي في العمق الجورجي الموالي للغرب، هذا الى جانب اهمية جورجيا بالنسبة للغرب، كدولة عبور لأنبوب النفط القادم من اذربيجان، ويصب في ميناء جيهان التركي، وان كانت هذه الاهمية ليست بالضخمة، ولكنها مؤثرة في لعبة الضغوطات السياسية.
الذي يقرأ في تاريخ العلاقات الدولية، وكيفية تبلور فكرة اهمية نظام عالمي ينظم العلاقات والمصالح بين الدول الكبرى، ولكن دون ان تمس حقوق ومصالح الدول الصغيرة، لا تتحفز عنده ذاكرة القراءة، بعامل الاحداث الحالية، سوى ما كان يحدث في بداية تشكل النظام العالمي او الدولي «متعدد القوى»، عندما كانت بعض القوى تساوم – بالقوة – على بعض المصالح المتداخلة او المتعارضة، مع قوى اخرى، كورقة ضغط لصالحها.
الامر الذي يجعلنا نفكر – ولو بطريقة متشائمة مع واقع الحال – في أن ما كان يحدث في ذلك الوقت، وكأنه نهاية البداية، للسلام – النسبي – الذي نعيشه، اصبح مقارنة مع ما يحدث الآن، وكأنه بداية النهاية لهذا السلام، واذكر في هذه اللحظة ما قاله اخي وصديقي فهد الكندري – الصحافي بالجريدة الزميلة القبس، وهو من اكثر طلبة السياسة السابقين والنابغين الذين تنبأوا بحدوثها، عندما قال قبل سنتين، ان العالم الذي نعيشه، سيشهد حروبا خلال العشرين سنة المقبلة، حتى تصبح لدينا الحرب امرا عاديا.
وكان يستند بذلك، الى حرب الولايات المتحدة على العراق في العام 2003، عندما قال الامين العام السابق كوفي انان، عنها في مقابلة مع قناة bbc في نهاية العام 2005، ان حرب العراق بحسب الاعراف والقوانين الدولية، هو «احتلال» لذلك، لا يوجد في هذا العالم الذي نعيشه احد افضل من احد، في ظل المعطيات التي نراها، والتي تحاول بعض شبكات الاعلام المرئية والمسموعة المنحازة – جاهدة – إخفاءها.