السنة التاريخية للمجتمعات الانسانية تشير الى حتمية تبادل المؤثرات بنسبة او بأخرى، فما بالك في عصر ثورة الاتصالات والمعلومات الآنية؟!
ولذلك مهما كانت بلادنا الكويت محصنة بتمسك شعبها بالشرعية الدستورية وتمتع أهلها بالرفاهية، علينا ان نتوقع ان الرياح التي تعصف بالدول العربية الدكتاتورية سينالنا شيء من آثارها، خاصة ان عندنا بيئة من الاحتقان والتأزم السياسي، وحسنا ما فعلته الحكومة من افساح المجال لتجمهر للشباب لإبداء آرائهم ومطالبهم وعدم الوقوف بوجههم ويفترض اذا كانت هناك عوائق قانونية ان تعالج بتشريعات ترشد التجمهر والمسيرات حفاظا على النظام العام وحماية لمصالح الناس.
لقد رفع الشباب شعار «رئيس وزراء جديد، حكومة جديدة، نهج جديد»، لكن ينبغي اضافة: «برلمان جديد، علاقة بين السلطتين جديدة»! وعلى اي حال سواء اتفقنا ام اختلفنا مع شعاراتهم، فإن الجميع دائما يؤكد على نزاهة الانتخابات البرلمانية الكويتية رغم وجود بعض الشوائب ولذلك فإن اي تغيير يريدونه ينبغي ان يكون عبر صناديق الاقتراع، وضمن الادوات والآليات الدستورية والتي اتفقت عليها جميع القوى الوطنية والشعب الكويتي بأسره. واذا كان التجمهر والمسيرات الاخيرة تضفي شيئا من الحيوية والحراك السياسي المتناغم مع حماس الشباب ونتائجها المجربة في الدول الاخرى، فمن المؤكد ان الدواوين التي ينفرد بها الكويتيون هي المكان الأكثر تأثيرا على عقول وقلوب الكويتيين عبر طرح الافكار والاستماع الى الآراء المختلفة ومن ثم توجيهها للتصويت الى النواب حاملي التغيير للتأثير على اتجاه صناعة القرار التشريعي وقوة الرقابة عليه.
لكن الذي يراه المراقب أن هؤلاء الشباب يتحركون من خلال قيادات برلمانية حفظ الناس مطالبهم وشعاراتهم واجندتهم ومنهم من فشل في تحقيق ما يصبو اليه تحت قبة البرلمان فاتجه الى الشارع، ومنهم ـ مع الأسف ـ تصريحاتهم ومواقفهم تنضح بالعصبية الدينية والعرقية ويدافع عن مناهجها، ويضيق ذرعا بمواقف وآراء زملائه النواب في التكتل الذي كان يجمعهم! والكلام كثير حول من يتحرك بحسب منظور من هم خارج المجلس ويتجاوز القوانين ومبادئ العدالة عبر الواسطات، فهل هؤلاء الشباب يريدون طرح أنفسهم كنسخ مكررة للنواب الشباب احد اطراف الاحتقان المزمن ام انهم يريدون ان يعبروا عن رؤيتهم المستقلة وطموحهم واحلامهم من واقع قناعاتهم؟ اذا كان الامر كذلك فعلى النواب ان يتركوا للشباب حراكهم وحواراتهم الذاتية ويلتفتوا الى ادواتهم التشريعية والرقابية التي توفر لهم كثيرا من الخيارات السياسية، وعلى الحكومة كذلك ان تفتح المجال للحوار الجاد والصادق الوعد مع هؤلاء الشباب، ومن دون ذلك سنرى كثيرا من الشعارات والمطالبات خارج اطرها الدستورية والوطنية.