مع اتساعها بفضل الفتوحات الإسلامية، وتنامي التيارات الفلسفية والعقائدية والاجتهادات الفقهية ومدارس التفسير والرواية، في أوج الدولة العباسية، إلا أنها كانت من أخطر الفترات التي عاشها المسلمون.
فقد تسرب الإلحاد والزندقة والغلو وكثرة الدس والتزييف، واستبيح المال العام على المجون والفجور، وغصت قصور الرعاة بالجواري الحسان وأدوات اللهو المحرم، وبالشعراء المتملقين والمداحين من أجل الدرهم والدينار، والبذخ على المجوهرات والعطور والألبسة وبناء القصور.
ويقابل ذلك مزيدا من الظلم على الرعية، بمصادرة أموالهم، ومطاردتهم بالسجن والقتل بأشد الوسائل فتكاً كبناء الأسطوانات عليهم وهم أحياء!
ولذلك ثار المظلومون، واصطدموا مع الخلافة في واقعة «فخ» سنة 169هـ، حيث قتل الثوار وتم التمثيل بجثثهم وهدم بيوتهم وحرق مزارعهم! فكانت الثانية بعد مأساة كربلاء!
لكن الأمة في كل مراحلها تشهد على وجود شخصيات مخلصة وعظيمة تعمل بكل إمكاناتها المتاحة لهداية الأمة ولإرشاد الحكام لرفع الظلم، والحفاظ على المال العام.
وكان من ذلك، الإمام موسى بن جعفر الكاظم (128 - 183هـ) عليه السلام، كأجداده الذين يقومون بمسؤولياتهم كأمناء على الأمة، وأئمة من آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ورغم هذه المكانة السامية للإمام، إلا أن توجس الخلافة العباسية منه جعله كذلك رهين الرقابة والاعتقالات والتنقل من سجن لآخر، الذي كان يحوله إلى مدرسة وعي وعلم وإرشاد، حتى ضجت به الخلافة العباسية، فاغتالوه بالسم ظلما وعدوانا، في مثل هذه الأيام من شهر رحب المحرم.
[email protected]