في مفارقة عجيبة، بالأمس خرج العراقيون في تظاهرة عارمة، غطت مدنهم يشكون ضنك المعيشة، واليوم يصطف العراقيون أنفسهم في كل الطرق المؤدية إلى كربلاء الإمام الحسين عليه السلام، والتي تفوق مئات الكيلومترات، ليستقبلوا الزوار المشاة الملايين القادمين من داخل العراق وخارجه، للتشرف بزيارته عليه السلام في يوم الأربعين من استشهاده، وذكرى عودة السبايا من آل البيت النبوي الشريف من الشام في مقدمتهم الإمام علي بن الحسين زين العابدين، وعمته السيدة زينب عليهما السلام، إلى المدينة المنورة مرورا بكربلاء، حيث مراقد سيد الشهداء والشهداء من أهل بيته وصحبه الكرام.
يخرج العراقيون برجالهم ونسائهم، بشيبانهم وشبابهم، ليتزينوا بجودهم وكرمهم الأصيلين، فيقدمون كل ما لديهم وأكثر من أفخر أصناف المأكولات الطازجة والمطبوخة والمشوية والمخبوزة، والفواكه والعصائر والحلويات بأنواعها، والمشروبات الساخنة والباردة، وقد أعدوا لهؤلاء المشاة فرشا للمنام والراحة، ومكتبات تهدي مرتاديها ما قرأوا من كتب قيمة. وفي سبيل ذلك يتوسلون ويرجون بإلحاح وبعيون دامعة إلا وان يقوموا بخدمة زوار الحسين عليه السلام، ولو بالتشرف بتنظيف أحذيتهم (أجلكم الله) وتدليك أقدامهم وعمل المساج.
هذه القوافل المليونية من المشاة لم تحظ اليوم - للأسف - بعشر التغطية الإعلامية التي صاحبت التظاهرة السياسية الأولى بالأمس!
ولا يعني أن العراقيين لم يكونوا صادقين في مطالبهم الإصلاحية ضد الفساد المستشري، بل يعنى أن المندسين من أيتام صدام المقبور ومن المأجورين من الخارج سعوا إلى تحويلها لثورة طاغية تعيد لهم سلطة العهد الإرهابي البائد، ولكن تظاهرة ومسيرة «زيارة الأربعين» كانت جوابا حاسما ومدويا لكل من يريد هدم النظام الجديد، وأن الإصلاح ومحاربة المفسدين قادم لا محالة بحول الله تعالى وقوته.
وصدقت السيدة العظيمة زينب بنت علي عليهما السلام بطلة كربلاء عندما واجهت السلطة الأموية بقولها «.. فإلى الله المشتكى وعليه المعول. فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك أمدنا...».
[email protected]