الأديب الكبير عباس محمود العقاد ألّف عدة عبقريات عن الخلفاء الراشدين الأربعة كذلك لبعض الصحابة الأوائل ولقد اخترت لكم عبقرية الإمام التي يتحدث فيها عن الإمام علي بن أبي طالب الخليفة الراشد الرابع.
تحدث العقاد عن كل صفات الإمام علي وعن أهم مميزاته، هذا إلى جانب انتسابه للعائلة الهاشمية التي تعتبر من أهم العوائل في مكة ومنها شخصية عبد المطلب جد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أيضا جد الإمام علي فهو أيضا هاشمي الأبوين فوالده أبو طالب عم الرسول وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وعند ولادته أسمته أمه بالحيدرة باسم أبيها أسد، والحيدرة هو الأسد، إلا أن والده غيره فأسماه علي المتعارف عليه، وللإمام علي ثلاثة اخوة هم جعفر وعقيل وطالب، كان والدهم أبو طالب ضعيف الحال فقيرا، وعندما أصاب قريش القحط، وكعون في تربية أبيهم تولى رسول الله صلى الله عليه وسلم تربية ورعاية علي، بينما تولى عمه حمزة رعاية جعفر وتولى عمه العباس رعاية طالب.
الإمام علي بن أبي طالب تربى منذ صغره في بيت النبوة ولقد تأثر كثيرا بالدعوة المحمدية فكان هو أول صبي في الإسلام، إذن فهو لم يسجد لصنم من أصنام قريش، بل تربى على اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، فهو إذن لم يسجد إلا لله ولقد عرف منذ صغره بالشجاعة فهو الذي تحدى فارس الجزيرة العربية عمرو بن ودّ، وكان ذلك في موقعة الخندق حيث كان عمرو ينادي هل من مبارز؟ فيتقدم علي ذلك الشاب اليافع فيمنعه الرسول قائلا إن هذا عمرو فارس الجزيرة العربية، إلا أن الإمام علي كان يصرّ كل مرة لأن يتصدى لعمرو وبعد إلحاح سمح له الرسول صلى الله عليه وسلم، فتقدم علي بكل شجاعة فصرع فارس الجزيرة العربية.
وكان الإمام علي زاهدا وكان صادقا في تقواه وإيمانه، وكان وهو أمير المؤمنين يأكل الشعير وتطحنه امرأته بيديها، وكان يختم على الجراب الذي فيه دقيق الشعير فيقول: «لا أحب أن يدخل بطني ما لا أعلم»، وقال عنه عمر بن عبدالعزيز الأموي المعروف بعداوة بني أمية للإمام علي قال عمر بن عبدالعزيز: أزهد الناس هو علي بن أبي طالب»، وقال عن زهده سفيان أن عليا لم يبن أجرة على أجرة ولا لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة، وقد أبى أن ينزل القصر الأبيض بالكوفة إيثارا للخصاص التي يسكنها الفقراء وربما باع سيفه ليشتري بثمنه الكساء والطعام.. وروى النظر بن منصور عن عقبة بن علقمة قال دخلت على علي عليه السلام فإذا بين يديه لبن حامض أذتني حموضته فقلت يا أمير المؤمنين أتأكل مثل هذا؟ فقال لي يا أبا الجنوب، كان رسول الله يأكل أيبس من هذا ويلبس أخشن من هذا وأشار إلى ثيابه فإن لم آخذ بما أخذ به خفت ألا ألحق به.
لقد تعمدت اختيار هذه السطور من كتاب عبقرية الإمام التي يتحدث فيها عن شجاعته وزهده وتأثره البالغ بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، لم أتطرق إلى جوانب كثيرة هي تكاد معروفة لدى المسلمين فهل هناك من يحمل تلك الأخلاق والزهد الذي تمتع به الخليفة الراشد علي بن أبي طالب.
من أقوال الإمام علي بن أبي طالب: «إنها إذا أدبرت عن إنسان سلبته محاسن نفسه، وإذا أقبلت عليه أعارته محاسن غيره».
والله الموفق.