عبدالرحمن العوضي
عاشت الكويت السنة الماضية أصعب صيف مرّ عليها منذ ان عرفنا طريقنا الى النور والكهرباء والتكييف، حيث يعيش الشعب مرتاحا في هذه الرفاهية، ونسينا حرارة الصيف والنوم تحت العريش والبنكات التي كان أمل كل بيت أن تكون هناك واحدة منها في كل غرفة، كما توقفنا عن انشاء «الباجدير» لادخال الهواء من الخارج للغرف، وأصبحت هذه عبارة عن امور تراثية لا يعلمها أبناؤنا ممن لم يعاصروا ذلك العصر الصعب، حيث كان شظف العيش هو طابع حياتنا.
وبعد ذلك انتقلنا الى علب الكونكريت التي نعيش فيها مكيفة ولا نعرف شيئا عن الطقس الخارجي لأن سياراتنا ايضا فيها مكيفات، وعادة يشغل السائق مكيف السيارة في الصيف قبل دخول المعزب أو المعزبة السيارة حتى لا يشعرا بحرارة الصيف كي لا تذوب الشحوم التي احاطت بأجسامنا.
موضوع الكهرباء في الصيف الماضي وصل الى نقطة الحرج رغم التنبوءات والانذارات التي قام بها الاخوة الفنيون والمسؤولون في «الكهرباء» في السنين الماضية، ولكننا لم نحرك ساكنا ونحن الذين كنا معروفين بتوفير 25% من الطاقة لفترة الظهيرة امام الصيف الملتهب، واستطاع اعضاء فريق الترشيد الذين أبلوا بلاء حسنا، وقاموا بجهد كبير ان يديروا عملية استهلاك الكهرباء حتى لا تنطفئ او نتعرض للقطع المبرمج، الذي هددتنا به وزارة الكهرباء في الصيف.
هذا بجانب الهروب الكبير لأعداد كبيرة من سكان الكويت للخارج، ونحمد الله ان الترشيد أوصلنا الى مستوى استهلاك لم يبق معنا إلا اقل من 1% احتياطيا ورغم ذلك استطعنا ان نتخطى حرارة الصيف اللهيب، واستمرت الكهرباء دون انقطاع بفضل من الله ثم بفضل حملة الترشيد التي جعلت الناس لأول مرة يشعرون بمسؤولياتهم تجاه المحافظة على الطاقة، ووعدنا الناس بأن الصيف المقبل أفضل رغم انني اشك في ذلك كثيرا.
بالصدفة قبل اسبوع كنت على متن احدى الطائرات بين روما ولندن، جلس بجانبي شخص علمت انه احد المسؤولين في امبراطورية جنرال اليكترك (g.e)، هذه الشركة الكبيرة التي تعادل امكانياتها امكانيات دول الخليج، ورأيت على محرك الطائرة اشارة (g.e) وخطر على بالي فورا نشاط هذه الشركة في مجال محركات طائرات وتوربينات انتاج الكهرباء، ودار حديث طويل معه، وعلمت انهم احدى الشركات القليلة التي تعمل في هذا المجال، وسألته اذا كانت توربيناتهم تستعمل في محطات انتاج الكهرباء في البيوت، فانتصب صاحبنا من جلسته وقال: الكويت ليست جادة في انتاج الكهرباء بالشكل الذي يفي بحاجتها رغم ان انتاج الكهرباء في العالم اصبح اليوم مصدر دخل كبيرا لأن بيع الكهرباء لن يقتصر على الدول المنتجة فقط، بل بيعها للعالم كله وفقا للصفقات الإقليمية والعالمية التي ترتبط بعضها ببعض، وعلمت انهم تقدموا لتركيب هذه التوربينات في مشاريع الكهرباء في الزور والصبية، لكنهم بعد ان بادروا بإنتاج هذه التوربينات اخطروا بإلغاء الطلب رغم ان صناعة كل توربيد تأخذ نحو 6 أشهر، وفور عودتي الى الكويت اتصلت بالجهات المعنية، واخبروني بالفعل عن وجود هذه المناقصات لكنها توقفت بعد ان قطعت مراحل كبيرة في التعاقد، وبعد الاستفسار من الوزارة اكدوا لي ان هناك بدائل وطمأنوني بأنه ستكون لدينا في الصيف المقبل زيادة في انتاج الكهرباء، ما يحمينا من احتمال الانقطاع والعيش على اعصابنا كما كان الحال الصيف الماضي، كما اكدت الوزارة انه في صيف 2009 سيكون لدينا احتياطي كاف يعيد الكويت الى وضعها الطبيعي، كما كانت في سنوات الرغد والعيش السعيد.
ارجو ان تكون توقعات الإخوان في محلها وألا تتعرض مناقصات انتاج الكهرباء للمصالح الخاصة والواسطات التي اصبحت اللاعب الأكبر في جميع مشاريعنا.
أمنية أتمناها أن يكون صيف 2008 اقل اثارة للأعصاب من صيف 2007، وأتمنى ان يفي العاملون بوعودهم لنا، كما اتمنى ان نبدأ بحملات الترشيد قبل الصيف حتى نؤكد على دور المواطنين في الترشيد ونساعد هؤلاء المسؤولين المخلصين في اداء مهامهم، ونطلب من الله سبحانه وتعالى الا تتعرض محطات الكهرباء الى اي حادث او عطل وان نعود الى الوضع الذي كنا عليه قبل هذه الانتكاسة الكهربائية، وان يكون لدينا احتياطي لا يقل عن 25% لتغطية احتياجاتنا لنتمكن من الاطمئنان والأمان والاستقرار، ونفكر حتى في بيع الفائض الى من يحتاج من الدول المحيطة بنا، لنستعيد جزءا من انفاقنا على انتاج الطاقة.
واذا رأيناها تجارة رابحة فلا مانع من ان نخطط لأن تكون لدينا طاقة فائضة لا تقل عن 50% تباع لمن يحتاج من الدول المجاورة خاصة أننا امام شبكة خليجية وعربية لتوزيع الكهرباء، وكان الله في عون العاملين في انتاج الكهرباء، وكان الله في عون الكويت وهي تعيش هذه المرحلة المضطربة في توفير الكهرباء لمواطنيها.