منذ تكليف سمو رئيس الوزراء الشيخ صباح الخالد بتشكيل الحكومة مؤخرا، دخلت الكويت في حالة جديدة من الاحتقان السياسي، خاصة بعد تلويح مجموعة من النواب بأن عودة الشيخ صباح الخالد لرئاسة الحكومة للمرة الثالثة تعد خطوة باتجاه تأزيم سياسي خانق.
بالطبع، ليست هذه هي المرة الأولى التي تصل فيها علاقة السلطتين إلى محطة اللاعودة، لكن مثل هذا الاحتقان والتأزيم اليوم يأخذ أبعادا أخرى، فالكويت تواجه أزمة اقتصادية تتطلب جهودا وعملا للخروج منها، كما أنها والعالم بأكمله اختنق بتداعيات جائحة «كورونا» التي لا تزال في بدايتها، وفقا لآراء أغلب الخبراء السياسيين والاقتصاديين، أضف إلى ذلك ما تشهده المنطقة بأسرها من تصاعد في حدة العنف والإرهاب ووتيرة الصراعات والحروب!
بمعنى آخر، نحن نقف في مواجهة حقبة استثنائية بكل المقاييس «سياسيا وماليا وصحيا» وهي حقبة تشترط التعاون والتنسيق لا التناحر والتأزيم.
قد تكون هناك تحركات جانبية تسعى بكل جهدها إلى التهدئة بين السلطتين وبشكل يشمل سير عجلة الحياة بكل أوجهها! وهناك قطعاً من يحاول أن يجد مخرجا لحالة الاحتقان هذه ضمن الإطار الدستوري، ومع ذلك لا تزال الأجواء متشنجة، ولا تزال الأمور معقدة، ولا طرف يبادر بتهدئة الأوضاع بشكل صحيح وفاعل!
صحيح أنه من الصعب ألا تكون هناك أي بذور احتقان سياسي بين المؤسستين، الحكومة من جهة والبرلمان المنتخب من جهة أخرى، فتلك هي شيمة العمل السياسي في أي مكان، لكن الخطر يكون حينما يصبح منبع هذا الاحتقان شخصيا بشكل بحت، حيث تختلط الأمور على العامة، بين الصراع والاختلاف السياسي المستحق، والثأر والخلاف الشخصي الذي لا يمت بصلة الى العمل السياسي الحقيقي!
يعلم كل متابع للشأن الكويتي أن ما تشهده الساحة السياسية اليوم في الكويت لا يهدف الى إصلاح ولا الى تنبيه ولا الى أي خطوة باتجاه الأمام، وإنما هو نابع من تراكمات لصراعات يغلب عليها الطابع الشخصي البحت، ويوجهها دافع النيل من خصوم اختلفوا على هوامش وقضايا جانبية ليست من بينها المصلحة العامة للكويت وأهلها، حتى أصبحنا اليوم نعيش أجواء تنشغل فيها الأطراف كلها إما بالهجوم على الآخر أو بالدفاع عن أنفسهم، كل يجتهد في البحث عن تهمة يوجهها للطرف الآخر.
اليوم، نحن بحاجة الى حكمة العقلاء وحجة المتمرسين في السياسة ممن تثق بهم كل الأطراف لإعادة الأمور الى نصابها، وتشغيل عجلة الحياة باتجاه المستقبل! فلقد سئم الناس حالة الفراغ التنموي والإصلاحي التي خلفها مثل هذا الاحتقان العقيم!
نتمنى من الأطراف كلها، حكومة ومسؤولين وأسرة ومعارضة، ومن الجميع، أن يراجعوا جذور خلافاتهم واختلافاتهم وأن ينظروا الى الأمور بعين وقلب المتجرد من كل تبعات الشخصانية في الخلاف وفي العلاقات والاختلافات السياسية! نريد لهذا البلد الحبيب أن ينهض بهمة وعزيمة الأطراف كلها لا نستثني من ذلك أحدا، فالرماح لا تتكسر إلا إذا كانت أحادية.
حفظ الله الكويت وأميرها وشعبها من كل مكروه.