لا شك ان عودة الشيخ أحمد الحمود لتسلم زمام الأمور بوزارة الداخلية بعد استراحة المحارب، أثلجت الصدور، ونسأل الله ان يعينه على أداء الأمانة وهو أهل لها وسط ما تعانيه الوزارة من تصدعات شهدتها خلال الفترة الماضية تمثلت في حادثتين مهمتين على صعيد الأداء الأمني أولاهما حادثة الصليبخات والأخرى مقتل المواطن الكويتي محمد الميموني، وما نتج عنهما من قصور أمني في التعامل مع تلك الحادثتين وبالأخص التضليل الإعلامي وقلب الحقائق الى جانب ضعف مستوى الأداء الوظيفي والتي أدت الى تعالي الأصوات بأهمية إعادة العمل الأمني الى مساره الطبيعي القائم على صون الحريات والحقوق في إطار القانون والدستور.
ولا يخفى ان الجميع يقدر مسؤولياته الأمنية وقدرته بإذن الله على قيادة العمل الأمني الخلاق بما يتصف به من سمات التقدير والاحترام، والحزم والمساءلة، علاوة على تحمله لإدارة هذا الجهاز في فترة ما بعد التحرير التي لم تكن سهلة على الإطلاق متحملا مسؤولية إعادة بناء وتنظيم المرفق الأمني وتلبية احتياجاته.
وهاهو التاريخ يعيد نفسه ويقف الوزير أمام ملفات ساخنة ومستحقة في إطار الجدل الحاصل حول عمل الأجهزة الأمنية والتي تتطلب الوقوف أمامها لا لشيء إلا لتصحيح مسار العمل الأمني لإعادة الهيبة والثقة للجهاز الأمني ولا يتأتى ذلك إلا «بإصلاح البيت» الذي يتطلب إعادة ترتيبه وفق منهج امني يقتضي البعد عن المجاملة وتحقيق العدالة لإحقاق الحق ومعاقبة المسيء للارتقاء بسمعة الجهاز الأمني.
من وجهة نظرنا «إصلاح البيت» وفق المعطيات الراهنة ليس بالأمر السهل لتشعب الأوجه المطلوب التركيز عليها لكثرة الخلل الإداري والسلوكي المرتبط بالأداء الوظيفي للجهاز الذي يتطلب إيجاد الوسائل المناسبة للتغلب على ذلك الخلل تحقيقا للهدف المنشود.
وقد أثبتت هاتان الحادثتان مدى الخلل في الأداء الوظيفي المتمثل في التجاوز الصارخ من قبل بعض الأجهزة الأمنية للحقوق الدستورية والإنسانية التي تعتبر المظلة الواقية للجميع يحتكم إليها المواطن ورجل الأمن، دون تعد او فوقية من أي طرف وفقا للحقوق والواجبات لكل منهما وقبل ذلك تجاوز القسم والإخلال به الذي يقتضي أداء العمل بكل أمانة وصدق والحفاظ على أمن الوطن والمواطن.
وفي هذا السياق، يعتمد «إصلاح البيت» أساسا على مبدأ العدالة ومحاسبة المقصر من منتسبي الجهاز وهذا ما لم يحدث في حادثة الصليبخات من اعتداء بدني على د.عبيد الوسمي المواطن الأعزل بغض النظر عما ارتكبه من قول والذي يمكن محاسبته عليه عبر القضاء بعد اتخاذ الإجراءات الإدارية المعتادة في هذا الشأن وهي الجهة المعنية في تبرئته أو عقابه وليس كما شاهدناه من ضرب وركل وسحل وإهانة مازالت عالقة في أذهان الكثيرين، من هنا تأتي أهمية اتخاذ هذه الخطوة المهمة التي تأخرت كثيرا في المحاسبة الإدارية لعناصر القوات الخاصة التي قامت بهذا الاعتداء الفظ والتحقيق فيما صدر من تضليل إعلامي وقلب الحقائق والاستخفاف بعقول المواطنين لتبرير الخطأ من خلال المؤتمر الصحافي الهش الذي أعدته إدارة الإعلام الأمني والذي يدل على ضعف الأداء وكيفية مواجهة هذا الموقف أو بما يسمى «إدارة أزمة». إن هذه المحاسبة تهدف في المقام الأول لبث الطمأنينة للمواطنين بأن مبدأ العدالة هو السائد وان المسيء لن يفلت من المحاسبة بغض النظر عما يساق من أسباب وحجج واهية وتحميل الأمر السامي الكريم بتنفيذ القانون أكثر مما يحتمل لأن الأمر السامي أنقى من إهانة المواطن بل أحرص على الحفاظ على كرامته وفق الإطار القانوني، فهل من وقفة أمام ذلك معالي الوزير؟
وهذا ما نأمله من معاليكم بترسيخ المفاهيم القانونية والدستورية وما لمسناه من موقفكم الحازم بإبعاد القوات الخاصة من محيط ندوة الوعلان الأسبوع الماضي إيمانا منكم بحرية التعبير في إطارها القانوني وليس على وقع الترهيب.
وحقيقة الأمر ان إصلاح البيت يتطلب النظر في أمور إدارية عديدة ترتبط ارتباطا وثيقا بما يعانيه الجهاز من ضعف الأداء يتمثل في الآتي:
1 ـ الأداء الوظيفي وتطويره:
لا شك ان تطوير وتحسين الأداء الأمني يتمثل في مراقبة الأداء والمتابعة والتقييم ولكن نجد ان الأداء الوظيفي على ما هو عليه على الرغم من التغيير المستمر للقيادات فكل من يأتي يقرر الاستمرار على منوال من سبقه إلا ما ندر بدلا من التطوير والإبداع في العمل وهذا سيؤدي بلا محالة الى ضعف الأداء بعكس ما يجب ان يكون عليه المسؤول من الاستفادة من الإمكانيات المتاحة في تطوير العمل وهذا ما نلاحظه في العمل الأمني الميداني الذي يعاني نقصا شديدا في أفراده نظرا لحالات العزوف والتقاعد والاستقالة، الأمر الذي يتطلب الاستفادة من الإمكانيات البشرية المتاحة وإيجاد البدائل لسد النقص في عمل الأجهزة الميدانية والتي تعتبر واجهة وزارة الداخلية في بسط الأمن ومواجهة الجريمة.
كما ان تحسين الأداء الوظيفي يجب ان يعتمد على الأسلوب العلمي في إعداد وتنظيم الدورات الأمنية المتخصصة وليس دورات تجارية، دورات تعمل على الارتقاء بمستوى التفكير الإبداعي لرجال الأمن تتناسب مع المستجدات الأمنية والتطور التكنولوجي وان العبرة ليست بالعدد الكبير من الدورات بل بما تحمله من مضمون والذي يجب ان ينظر اليه بعين الاعتبار، ومن جانب آخر الاهتمام بالدراسات والبحوث التي تدعم مسيرة العمل الأمني وفق منهج علمي.
2 ـ التداخل في الاختصاصات:
من وجهة نظرنا ان تحديد المهام والمسؤوليات الأمنية لكل إدارة ووضوح أهدافها واختصاصاتها سيؤدي بلا شك الى انسيابية العمل دون عوائق او ومشاكل أو تداخل مع الجهات الأخرى واللامركزية في أداء العمل، ما يسهل عملية المتابعة والتقييم والمحاسبة وبنظرة سريعة إلى التنظيم الهيكلي للوزارة نجده للأسف قد تشعب كثيرا، مما أدى الى تعقيد الأمور بدل تبسيطها، الأمر الذي يتطلب مراجعة التنظيم الهيكلي وإعادة النظر فيه بما يتناسب مع المتغيرات الأمنية.
هذه أمثلة وغيرها كثير مما يتطلب مواجهتها وإيجاد الحلول المناسبة لها على النحو التالي:
أولا: تدعيم العمل الأمني الميداني الذي يهدف الى تحسين الأداء الوظيفي ويتطلب:
ـ الاستفادة من الضباط من رتبة ملازم الى رائد وجميع الأفراد في العمل الميداني بدلا من العمل الإداري وتدعيم المخافر والدوريات بهم والتي تعاني نقصا شديدا في الضباط والأفراد.
ثانيا: تدعيم اللامركزية في الإدارات:
ـ نقل تبعية إدارات المباحث في المحافظات الى مديريات الأمن تحت مسؤولية مدير الأمن لكي يكون العمل الأمني في نطاق المحافظة متكاملا وتحت إدارة واحدة منعا للتداخل او التعقيد الإداري.
ـ إعطاء مدير المرور في نطاق كل محافظة الصلاحيات التامة في عمله في كل ما يتعلق بالمسؤوليات والخدمات المرورية والإشراف التام إداريا وفنيا على الدوريات المرورية والفحص الفني واختبار القيادة وغيرها من المهام تحقيقا لمبدأ اللامركزية في الإدارة.
ثالثا: تعديل التنظيم الهيكلي:
ـ إعادة إنشاء الإدارة العامة للتخطيط لأهميتها في هذا التوقيت الذي تقوم به الدولة في تنفيذ الخطة الإنمائية بدلا من تقليص دور التخطيط وجعلها إدارة تتبع الإدارة العامة للشؤون القانونية.
ـ تنفيذ المراسيم الأميرية الخاصة بالتعليم والتدريب والتي للأسف لم تنفذ إلا جزئيا دون تقدير لتلك المراسيم.
ـ إعادة النظر في السياسة العامة للتدريب وفك التشابك والتداخل والازدواجية فيما تقوم به الإدارات العامة المعنية.
ـ إعادة إدارات الرقابة والتفتيش في المحافظات لتحقيق الانضباط والربط العسكري.
رابعا: تقييم الأداء: وهذا يتطلب ضرورة إجراء اختبارات الكفاءة والإدراك المعرفي والقيادة التي يجب اعتبارها أساسا للتقييم في الترقي او عند التعيين في المناصب الشاغرة بدلا من التقارير السرية المعمول بها حاليا والتي تحمل كثيرا من المحاباة ولا تعطي صورة حقيقية للتقييم.
خامسا: الجانب العلمي: الاهتمام بالدراسات والأبحاث القائمة على المنهجية العلمية في دراسة وتحليل الأحداث والمستجدات الأمنية والاستفادة من المعطيات الحالية لاستشراف المستقبل.
هذا ما نعتقد ونؤمن به من وجهة نظرنا لبعض الأولويات، إضافة الى ما تناولناه في مقالاتنا السابقة والتي تهدف في المقام الأول الى الإسراع في إصلاح الأخطاء بدلا من تركها تتعاظم لما لها من تأثيرات سلبية ناجمة عن ذلك والتي نأمل أن تساهم في الإصلاح وإعادة الأوضاع الى مسارها الطبيعي لدفع مسيرة العمل الأمني والارتقاء به تحقيقا للمصلحة العامة.