كشف تقرير صادر عن ديوان المحاسبة قبل أيام عدة، عن هدر وتجاوز مالي كبير بوزارة الداخلية يتعلق ببند الضيافة والهدايا تجاوزت الثلاثين مليون دينار وذلك خلال السنة المالية 2014/2015 والسنة المالية 2015/2016 هذا التقرير أتى بناء على طلب من لجنة الميزانيات والحساب النهائي بمجلس الأمة في دور الانعقاد الأول بتكليف ديوان المحاسبة بذالك، وفي الوقت ذاته تكليف وزارة الداخلية بالتحقيق الداخلي، وكان لهذا التقرير صدى كبير على وسائل التواصل الاجتماعي خاصة فيما تضمنه من تحديد أوجه الهدر المالي تفصيلا، وبعبارات قاسية لم نعهدها في تقارير ديوان المحاسبة تتمثل بسوء استغلال، تدليس، مخالفة القوانين والأنظمة...إلى تجاوزات إدارية ومالية كبيرة وجسيمة تمس المال العام.
ومع تقديرنا للدور الذي يقوم به ديوان المحاسبة وحرصه على تنفيذ مهامه وإصدار التعاميم وخاصة التعميم رقم 12 لسنة 2015 بشأن تنظيم التعامل بين ديوان المحاسبة والجهات المشمولة برقابته بشأن المخالفات المالية، لكن يبقى التساؤل الذي يطرح نفسه: أين ديوان المحاسبة من تلك التجاوزات في السنوات المالية محل التدقيق والتحقيق؟ أليس هو المعني الأول والأخير بالتدقيق على أوجه الصرف التي تقوم بها الجهات الحكومية ومراقبته السابقة واللاحقة وفقا لاختصاصاته ومسؤولياته وفقا لنص المواد (6، 7، 9) من قانون إنشاء الديوان؟ الا يقدم الديوان تقريره السنوي كل عام مبينا فيه أي ملاحظات أو تجاوزات التزاما بالمادتين (22، 20)؟ لماذا لم يشر الديوان منذ سنتين مضت إلى هدر المال العام (بالصورة التي اشتمل عليها التقرير الأخير من انتقادات وتوصيات)؟ أين مسؤولية وزارة المالية التي تعتبر شريكا أصيلا، حيث لا يمكن بأي حال من الأحوال صرف أي مبالغ إلا بوجود اعتمادات مالية وبموافقتها والتحقق من المستندات سواء بنقل من بند إلى آخر، أو باعتماد مبالغ تعزيزية؟ أين دور المراقب المالي الذي يعتمد الصرف، حيث لا يتم صرف أي مبلغ إلا بتوقيع استمارة الصرف وهذا من واقع خبرتنا السابقة بالتعامل مع الشؤون المالية؟ عندما أشير إلى ذلك لا أبرئ وزارة الداخلية من ذلك الهدر وما اشتمل عليه التقرير من وقائع وشبهات اقل ما يمكن وصفها بأنها لا تليق بجهاز امني وغني عن تلك التجاوزات بما توفره الدولة له من إمكانيات، وخاصة فيما يتعلق بالمستندات غير الصحيحة وفقا لتقرير الديوان، وهذا هو الممسك ونقطة الضعف على وزارة الداخلية، وعدم دقة فواتير الفنادق وغيرها، من دون أن نسمع أو نقرأ أي توضيح من الداخلية حول ذلك، وهو ما يجب أن تقوم به وعدم تجاهل ما ينشر تحت أي ذريعة، كسبا لثقة المواطنين، ولكن يجب أن نكون منصفين أمام موضوع يمس المال العام ولا يمكن أن نختزل الموضوع بالتركيز على وزارة الداخلية فقط دون الجهاز الرقابي للدولة ممثلا بديوان المحاسبة والمراقبين الماليين المتواجدين في المؤسسات الحكومية.
فهم المعنيون بالدرجة الأولى عن أوجه الصرف بل وبالصلاحيات الممنوحة لهم يستطيع أي مراقب مالي ومحاسبي ان يقف أمام هكذا تجاوز ان وجد. ثمة نقطة مهمة أن التركيز على هذا التجاوز المالي على الرغم من أهميته والذي بطبيعة الحال لا يقبل به أي مواطن باعتباره تعديا على المال العام ويوضح بصورة لا تدع مجالا للشك عن أسلوب الصرف ويجب محاسبة أي مسؤول يثبت التحقيق إدانته، ولكن في نفس الوقت يتطلب الحياد بأن اثارة هذا الموضوع له خلفية سياسية تتعلق بالإدارة الأمنية السابقة ممثلة بالشيخ محمد الخالد، وكأن الأمر تصفية حسابات. وللأسف ونحن نرى هذا الكم الهائل من التجاوز في مؤسسات الدولة منذ سنوات بما تحمله تقارير ديوان المحاسبة كل عام من ملاحظات حسابية عليها.
إذن المشكلة تكمن في عدم تفعيل الآلية الخاصة بالمراقبة المالية والمحاسبية المسبقة واللاحقة لميزانية أي جهة حكومية أو لأي مبالغ تعزيزية التي تمنع أي تجاوز على المال العام وإلا لما وجدنا مثل هذه التجاوزات والملاحظات.
[email protected]