من أهم تعريفات النظام الإقليمي في العلاقات الدولية وأكثرها شمولية أنه «شبكة تفاعلات بين وحدتين دوليتين أو اكثر، تتسم بالتكرار والحدة تميزها عن غيرها من التفاعلات التي تجري بين إحدى الوحدات أو بعضها أو كلها مع وحدات أخرى في محيطه، ويتميز النظام الإقليمي ببنيته والتفاعل بين أطرافه والذي قد يتغير من فترة إلى أخرى، واهم ما يدرس بالنظام الإقليمي هو الاختلال والاتزان».
لو طبقنا التعريف السابق على منطقة الخليج العربي «قبل الأزمة الخليجية»، لوجدنا بالفعل هناك كثافة في العلاقات بين دول مجلس التعاون تميزها عن علاقاتها مع دول الجوار الأخرى، سواء ايران أو العراق أو حتى مصر، كما تتميز هذه العلاقات الخليجية في بنيتها، وهو «مجلس التعاون لدول الخليج العربية»، بالتالي نحن أمام نظام إقليمي خليجي حقيقي يجمع دول الخليج الست ويعزل او يقلل من التفاعلات مع محيطه الإيراني والعراقي.
ولكن ماذا بعد «الأزمة الخليجية»؟! وما تأثيرها على النظام الإقليمي الخليجي؟
لو تتبعنا نمط التفاعلات المستجدة داخل النظام الإقليمي الخليجي في المنطقة لأمكننا ملاحظة التالي - اختلاف التفاعلات بين دول مجلس التعاون الست عن السابق، سواء من حيث النوعية أو الكثافة، فمن حيث نوعية التفاعلات الخليجية - الخليجية، نجد أنها تحولت من تفاعلات تعاونية إلى تفاعلات صراعية (الخلاف بين قطر من جهة والسعودية والبحرين والإمارات من جهة أخرى)، أما من حيث كثافة التفاعلات الخليجية فقد أصابها التغير أيضا، فتحولت الكثافة نحو العراق من جهة السعودية مقارنة بعلاقتها المقطوعة مع قطر، بالإضافة إلى كثافة العلاقات التجارية القطرية مع إيران مقابل تعذر التجارة مع بعض دول الخليج كالسعودية والإمارات والبحرين.
عند دراسة الأنظمة الإقليمية وبحسب «ريجينز Wriggins» يجب معرفة مستوى تدخل القوى الخارجية «التوغل» في شؤون النظام الإقليمي، ولو أخدنا معيار التوغل سنجد أن النظام الإقليمي الخليجي يقع تحت الحماية الأميركية وبدونه ربما سينهار مع أول اختبار، وهذا واضح في انتشار معاهدات الحماية لكل دول الخليج وبدون استثناء مع الدول العظمى وخاصة الولايات المتحدة الأميركية.
وهذا ما عكسته تصريحات الرئيس ترامب الأخيرة في مؤتمره الصحفي المشترك مع أمير الكويت، حيث أكد أنه يجب حل الأزمة الخليجية لأنها تؤثر على استمرار مجلس التعاون والذي تريده أميركا أن يكون موحدا!!
إذن الأوراق الخليجية المبعثرة بإمكان الولايات المتحدة جمعها إذا ما أرادت ذلك وبسهولة، ولكن كيف ومتى ولماذا؟ إجابات سيكشفها المستقبل القريب.
النظام الإقليمي بشكل عام والخليجي بالتحديد يتغير فيه توزيع القوة من فترة إلى أخرى، وينجم عن ذلك، تبدل في أنماط التفاعلات بين أعضائه. ويحدد «اورجانسكي A.F.Organski» أربعة أنواع من الدول «دولة قوية وراضية، ودولة قوية وغير راضية، ودولة صغيرة وراضية، ودولة صغيرة وغير راضية»، في النظام الخليجي ينتشر نوعان من تلك الدول وهما «الكبيرة والصغيرة» وكلاهما غير راضيتين!!
ختاما: أهم ما يدرس في النظام الإقليمي هو الاختلال والاتزان، ولو نظرنا لواقع دول مجلس التعاون الآن - سنجد أنه وسط بيئة أمنية منهارة تماما كالعراق وسورية واليمن، فالثورات والحروب الأهلية تحاصره من كل مكان، بل انتقلت بعض الاضطرابات السياسية والاقتصادية والعسكرية إليه مباشرة، وحتى الآن لم ينجح النظام الإقليمي الخليجي بمعالجة أزماته الداخلية (الخلاف الخليجي) ناهيك عن أزماته الخارجية (حرب اليمن) والتهديدات الإيرانية، وإذا استمرت الأوضاع هكذا، فمن المرجح ان يتغير شكل النظام الإقليمي الخليجي بدخول فواعل جديدة وخروج أخرى، وإنشاء أحلاف جديدة تمثل التوازنات الجديدة.
almutairiadel@