مما لا شك فيه أن منطقة الشرق الأوسط تعجّ بالمشاريع السياسية الدولية، حيث يحاول كل مشروع سياسي دولي ترتيب أوراق اللعبة بالمنطقة وفقا لمصالحه، ومن تلك المشاريع - المشروع الإيراني والمشروع التركي والمشروع السعودي والإماراتي، تلك المشاريع الإقليمية تتعارض أحيانا وتتقاطع أحيانا أخرى مع مشروعين رئيسيين هما «المشروع الأميركي والمشروع الروسي».
سيقتصر الحديث هنا - عن المشروع التركي في منطقة الشرق الأوسط وبالتحديد بمنطقة الخليج العربي.
فمنذ وصول حزب العدالة والتنمية للحكم في الجمهورية التركية عام 2002، خرجت تركيا تدريجيا من شبه عزلتها الشرق الأوسطية التي فرضتها على نفسها في عهد الحكومات السابقة، لتتحول الى لاعب أساسي في منطقة الشرق الأوسط ومناطق أخرى في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان.
ربما كانت النجاحات التركية الاقتصادية المبهرة وراء تبنيها سياسة خارجية نشطة تنطلق من رصيد حضاري راسخ يعود الى الخلافة العثمانية، ساعدها بالانفتاح على آسيا الوسطى والشرق الأوسط، كما في رؤية احمد داوود أوغلو بكتابه «العمق الاستراتيجي - المكانة الدولية لتركيا».
بداية انخراط تركيا أردوغان في قضايا الشرق الأوسط كان من بوابة فلسطين وحصار غزة عام 2010، حيث حاولت سفينة الإغاثة التركية «مرمرة» كسر الحصار، وعندها تعرضت لممارسات وحشية إسرائيلية عكرت العلاقات التركية الإسرائيلية المعروف بصفائها سابقا.
ومع اندلاع ثورات ما يسمى بالربيع العربي، وبالرغم ان تركيا لم تتدخل في مجراها «من باب عدم التدخل بالشؤون الداخلية» إلا أنها شجعتها ودعمت الحكومات الشعبية الجديدة الناتجة عنها، والتي تصادف بأنها ذات أيديولوجيا قريبة من أيديولوجيا حزب العدالة والتنمية التركي، كحكومة النهضة بتونس، ومرسي في مصر، وحكومة حماس بفلسطين، وهنا فسر البعض هدف المشروع التركي بالانقضاض على منطقة الشرق الأوسط، إلا أنه سرعان ما تحول المشروع التركي «الهجومي» الذي يسعى إلى زيادة نفوذه السياسي والاقتصادي كما يصفه أعداؤه ومنافسوه، إلى مشروع دفاعي، بعد ان فشلت او أفشلت كل الحكومات التي انتجتها الثورات العربية بعد موجة من الثورات المضادة والانقلابات العسكرية، نتج عنها تغيرات كبيرة ليس بالدول المعنية فقط، بالمشهد الإقليمي ايضا، وأدت الى بروز نجاحات كبيرة للمشروع الإيراني من ناحية والمشروع السعودي ـ الإماراتي من ناحية أخرى، على حساب المشروع التركي والذي تحول من مشروع «هجومي» ان صح التعبير إلى مشروع دفاعي، اهم ما على أجندته هو مقاومة تقسيم العراق وسورية، لمنع إنشاء دولة كردية تهدد استقرار تركيا وتشجع الأقليات فيها على الانفصال، وذلك بدعم الجيش الحر السوري على الأرض وبالمفاوضات للتمسك بوحدة سورية، وبالتأكيد سيصطدم المشروع التركي بالمشاريع الأخرى، كمشروع إيران في سورية والمدعوم من المشروع الروسي المكمل له من ناحية، والمشروع الأميركي بدعم الأكراد وتقويتهم على حساب الأطراف الأخرى مما يقوي النزعة الانفصالية لديهم.
ملاحظة - ليس كل المشاريع الإقليمية والدولية متناقضة على طول الخط، بل توجد أحيانا بعض التقاطعات، كتقاطع المشروع التركي والإيراني بالوقوف ضد استقلال كردستان العراق.
وفي خضم كل تلك الأحداث حقق الأتراك نجاحات مهمة في عمق منطقة الخليج بنسجهم تحالفات جديدة تقاوم المشاريع الإقليمية الأخرى، وأقصد «اتفاقية الدفاع المشترك بين تركيا وقطر»، والتي ساهمت بترسيخ الأمن الإقليمي الخليجي وأصبحت نموذجا يحتذى لدول المنطقة كدولة الكويت وسلطنة عمان.
يبدوا ان المشروع التركي ليس سيئا، ويحمل في طياته علاقات اقتصادية وثقافية كبيرة ومفيدة، ولن يترتب عليه تأثيرات سياسية سلبية على حكومات المنطقة ذات الطابع الملكي راسخ الشرعية.
ختاما ـ ان الحاجات الأمنية للدول الصغرى في منطقة الخليج العربي المضطرب، لا يمكن ان تشبعها الاتفاقيات الأمنية مع الدول الغربية فقط، فالمصالح ربما تتبدل فيتحول الأصدقاء الى أعداء، ولذلك لابد من نسج اتفاقيات تعاون أمني مع أكثر من لاعب دولي كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وكذلك مع لاعبين إقليميين أساسيين كالأتراك، ومن هنا تكمن أهمية المشروع التركي بالنسبة لمنطقة الخليج العربي.