الطاقة بأشكالها المختلفة هي وقود الحضارة قديما والتنمية الاقتصادية حديثا، ويعتبر البترول والغاز هما أهم وأكثر أشكال الطاقة استخداما، وهما المعنيان دائما بمصطلح أمن إمدادات الطاقة، والذي يقصد به «استدامة إنتاج الطاقة واستخدامها بأسعار مناسبة للمساهمة في النمو الاقتصادي، وتسهيل وصولها للأفراد لتحسين معيشتهم».
وتاريخيا يعتبر ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا في الفترة ما بين (1950-1955)، أول من استخدم هذا المصطلح في مقولته الشهيرة «أمن الطاقة يكمن في التنوع، والتنوع فقط»، وبالرغم من قدم المصطلح والنصيحة التشرشلية إلا أنه كان ذا طابع اقتصادي بحت، ولم يأخذ المفهوم طابعه الأمني والجيوسياسي إلا بعد 15 أكتوبر 1973، عندما قامت دول «أوابك» العربية بحظر تصدير نفطها لبعض الدول الغربية الداعمة لإسرائيل.
ولا يتصور أمن إمدادات الطاقة إلا بأمن الدول المنتجة لها، وأمن طرق نقلها، وتعتبر دول الخليج الثماني (دول مجلس التعاون الخليجي والعراق وإيران) من أكبر المنتجين في العالم، حيث ينتجون حوالي 30% من النفط العالمي، والذي ينقل بواسطة ناقلات النفط العملاقة عبر مضيق هرمز.
والغريب أن تلك المنطقة المهمة في العالم ما تلبث حتى تندلع بها الحروب والثورات، ثورة عبدالكريم قاسم 1958 في العراق، وانقلاب مصدق على شاه إيران وتأمينه للبترول عام 1953، وبعد أن عاد الشاه للحكم اندلعت الثورة الإيرانية بقيادة الخميني عام 1979، وبعدها كانت حرب الخليج الأولى عام 1980-1988، وحرب الخليج الثانية أو الغزو العراقي للكويت في عام 1990-1991، وحرب الخليج الثالثة أو الحرب الأنجلوأميركية ضد العراق عام 2003.
وفي الوقت الحاضر تضرب الولايات المتحدة حصارا ضد إيران يشمل حظر تصدير بترولها، بسبب مشروعها النووي، وتدخلاتها في دول الجوار، وتعلم أميركا مسبقا بتأثير سياستها هذه على أسواق الطاقة، ولذلك طلبت من حلفائها تزويد الأسواق بكميات كبيرة، لتعويض أي نقص في إمدادات النفط.
أما إيران فمن جانبها تحاول مقاومة السياسة الأميركية عن طريق الضغط على أهم مصلحتين لأميركا في المنطقة، وهما (إسرائيل ـ النفط)، ولذلك شاهدنا في الأشهر الأخيرة التحرشات الإيرانية ضد إسرائيل، من خلال تواجدها في سورية، رغم أن إيران متواجدة هناك منذ اندلاع الثورة السورية، أما من ناحية البترول فشاهدنا التصريحات النارية للمسؤولين الإيرانيين، كتصريحات الرئيس حسن روحاني، التي ألمح فيها إلى قدرة بلاده على منع تصدير النفط من الدول المجاورة، وعدم ضمان أمن مضيق هرمز، بالإضافة إلى تهديدات قاسم سليماني عندما قال إن «البحر الأحمر لم يعد منطقة آمنة».
ختاما: ربما أصبح أمن إمدادات الطاقة ليس حكرا على الغرب فقط، فالصين والهند أصبحتا من أكبر الدول الصناعية، وهما الشريكان الأكثر استيرادا لبترول الخليج، وهما يحاولان أن يبقى الصراع الإيراني ـ الأميركي، ضمن مستوى معين بحيث لا يؤثر على إمدادات الطاقة، وحتى روسيا حليف الإيرانيين، لن تتركهم في أي صراع عسكري مرتقب، وللروس سوابق في دعم الحلفاء كما الحال في سورية، بينما لترامب سوابق في بيع الحلفاء وتهديدهم وابتزازهم، كما حدث للناتو والخليجيين.
الخلاصة: إغراق ناقلة نفط واحدة في الممر الدولي لمضيق هرمز يكفي لإغلاقه، وإشعال أسعار البترول إلى مستويات خيالية، وهذا العمل الكبير لا يحتاج إلا لزورق صغير أو «جت سكي» لعمل ذلك، أو «آر. بي. جي» من الشواطئ القريبة من هرمز وهي كثيرة، لذلك يجب حل القضايا العالقة في المنطقة بالطرق السلمية وضمان أمن الدول فيها، ليضمن العالم وصول البترول الرخيص له، ووقف العبث الأميركي.