في جميع التفجيرات الأخيرة في المنطقة تشير أصابع الاتهام الأميركية والخليجية إلى ناحية إيران مباشرة تارة، والى جماعات مرتبطة بها تارة أخرى، سواء في مسؤوليتها عن تفجير ناقلات وسفن خليجية أو تفجير حقول وأنابيب النفط وآخرها تفجير منشأتي النفط في ابقيق وخريص.
يتساءل البعض: لماذا تفتعل إيران تلك الأزمات ولماذا لا ترد الولايات المتحدة وحلفاؤها الخليجيون؟ هناك معضلتان في هذه المسألة، إحداهما سياسية والأخرى عسكرية سياسية في الأزمة الأميركية ـ الإيرانية.
المعضلة السياسية:
إيران تعلم أنها لا تستطيع الانتظار حتى 2020 موعد الانتخابات الأميركية والمراهنة على فوز رئيس جديد لأميركا وهذا الاحتمال ضعيف جدا، كما أنها تعلم أن ترامب لن يحارب قبل الانتخابات، لذلك فإنها تمارس كل ما أتيت من قوة إلى حل الأزمة بينهما حتى لو اختلقت حربا إقليمية محدودة مع أطراف خليجية تنتهي بالتفاوض.
ومن جانبها، بعض دول الخليج تعلم الهدف الإيراني السابق، ولذلك لا ترد إلا بالطرق الديبلوماسية على الهجمات الإيرانية، كما تعلم أن الولايات المتحدة لن تحارب على الأقل قبل الانتخابات، وان تصريحات ترامب واضحة في هذا الاتجاه، وإقالته لمستشاره للأمن القومي السابق جون بولتون الداعي للتصدي لطهران، إضافة إلى التصريح الشهير لجوزيف دانفورد، رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، بأن «ليس لدينا قوات كافية بالمنطقة لردع التهديدات الإيرانية على حلفائنا في الخليج» 6 سبتمبر ٢٠١٩.
جميع الشواهد السابقة تؤكد للخليجيين والإيرانيين أنه لا حرب أميركية مع إيران.
المعضلة الأمنية:
لا يمكن للخليجيين الاستمرار في امتصاص تأثير التفجيرات على حقولهم ومحطات التكرير وناقلاتهم، سواء من الناحية الاقتصادية او حتى الشعبية من جهة، ولا يمكنهم التصدي للطرق الجديدة في عمليات الهجوم بالطائرات المسيرة وصواريخ كروز المطورة من جهة أخرى.
يبدو أن إيران تستخدم الطائرات المسيّرة ليست لإحداث أضرار مدنية أو عسكرية بل تنتقي أهدافا حيوية مؤثرة سياسيا داخليا وخارجيا من أجل بعث رسائل ديبلوماسية بأنها ستحرم المنطقة والعالم من نفط الخليج لأنها منعت من تصدير نفطها، وهذا له تأثيرات على الاقتصاد العالمي، ويعطي صورة مصغرة لحجم التداعيات إذا ما تحول المشهد إلى حرب إقليمية كبرى.
كما أن للتوقيت أهمية، فهو كان يأتي قبل اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة والتي سيحضرها أغلب زعماء العالم ومن بينهم الرئيس ترامب والرئيس الإيراني روحاني ووزير خارجيته ظريف، مما يجعل التفجيرات المأساوية الأخيرة مجرد نوع من الديبلوماسية (ديبلوماسية درونز) لإجبار الخصم على التفاوض، وهو المتوقع اما في اجتماعات نيويورك أو بعدها.
* ختاما - في كل حقبة زمنية تسمى السياسة الخارجية باسم التكتيكات والوسائل التي تستخدم فيها، فيقال ديبلوماسية الخط الساخن، وديبلوماسية الأزمات وديبلوماسية القمم، وهكذا، الحقبة الحالية من السياسات الخارجية في منطقة الشرق الأوسط ستوصف بـ«ديبلوماسية الطائرات المسيّرة Drones Diplomacy».