يحتفل العالم أجمع بميلاد سيد البشرية محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم وحال المسلمين حال فرقة وشتات، كل يسير على هواه وكأن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن إلا دعوة هاشمية كما يتصورها من لم يكن الإسلام صلبا في قلوبهم. ولد الرسول صلى الله عليه وسلم في صبيحة يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول عام الفيل سنة 571 ميلادية، فعن غيث بن محزمة قال: ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل، فنحن لدّان.
وعن حسان بن ثابت قال: والله إني لغلام يافع بن سبع سنين أو ثمان أعقل كل ما سمعت، إذ سمعت يهوديا يصرخ بأعلى صوته على آطمة (الحصن) بيثرب، يا معشر يهودا حتى إذا اجتمعوا إليه قالوا ويلك؟ قال: طلع الليل نجم أحمد الذي ولد به. وان إرهاصات بالبعثة وقعت عند الميلاد فسقطت 14 شرفة من إيوان كسرى وخمدت النار التي يعبدها المجوس وانهدمت الكنائس حول بحيرة ساوا بعد أن غاصت. ولما ولدته أمه آمنة بنت وهب أرسلت إلى جده عبدالمطلب تبشره بحفيده، فجاء به مستبشرا ودخل به الكعبة ودعا وشكر الله واختار له اسم محمد، وهذا الاسم لم يكن معروفا عند العرب وأول من أرضعته من المراضع بعد أمه صلى الله عليه وسلم ثويبة مولاة أبي لهب بلبن ابن لها يقال له مسروح وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبدالمطلب، وأرضعت له أبا سلمة بن عبدالأسد المخزومي.
وكانت العادة عند الحاضرة من العرب أن يلتمسوا المراضع لأولادهم ابتعادا لهم عن أمراض الحواضر لتقوى أجسامهم وتشتد أعصابهم، فالتمس عبدالمطلب للرسول صلى الله عليه وسلم المرضعات واسترضع له امرأة من بني سعد ابن بكر، وهي حليمة بنت أبي ثويب، واخوته صلى الله عليه وسلم من الرضاعة عبدالله بن الحارث وأنيسة بنت الحارث وحذافة بنت الحارث وهي الشيماء وهذا لقب لقبت به على اسمها، وكانت تحضن الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا سفيان ابن الحارث بن عبدالمطلب ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم وكان عمه حمزة بن عبدالمطلب مسترضعا في بني سعد بن بكر، فأرضعت أمه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما وهو عند أمه حليمة، وكان حمزة الرضيع مع رسول الله من وجهين من جهة ثويبة ومن جهة السعدية.
ورأت حليمة من بركته صلى الله عليه وسلم ما قصت من العجب وأن نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا له: يا رسول الله أخبرنا عن نفسك؟ قال:نعم أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى أخي عيسى ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء قصور الشام، واسترضعت في بني سعد بن بكر، فبينما أنا مع أخ لي خلف بيوتنا نرعى بُهما لنا إذ أتاني رجلان عليهما ثياب بيض بطست من ذهب مملوء ثلجا ثم أخذاني فشقا صدري واستخرجا قلبي فشقاه فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى أنقياه، قال أحدهما لصاحبه زنه بعشرة من أمته فوزنني بهم فوزنتهم، ثم قال: زنه بمائة من أمته فوزنني بهم، ثم قال زنه بألف من أمته فوزنني بهم فوزنتهم، فقال: دعه عنك فو الله لو وزنته بأمته كلها لرجح، فلما بلغ رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ست سنوات توفيت أمه آمنة بنت وهب في الأبواء بين مكة والمدينة، وكانت قد قدمت به على أخواله من بني عدي بن النجار، فماتت وهي راجعة به إلى مكة ثم كفله جده عبدالمطلب بن هاشم وكان يمسح على ظهره بيده، ويسره ما يراه يصنع، فلما بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم ثماني سنوات توفي جده عبدالمطلب، فكفله عمه ابو طالب وفي يوم خرج عمه أبو طالب في ركب متاجرا إلى الشام فلما تهيأ للرحيل وأجمع المسير تعلق به رسولنا صلى الله عليه وسلم فرق قلب أبي طالب وقال لأخرجن به معي ولا يفارقني ولا أفارقه أبدا.
وأود أن أشير هنا إلى أن الرئيس الفرنسي ماكرون سقط سقطة كبيرة عبر خطابه الأخير المتلفز عندما قال إن بلاده لن تتخلى عن الرسومات الساخرة وذلك في معرض حديثه عن المدرس الفرنسي الذي قتل بعد نشره صورا مسيئة لرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، وتناسى ماكرون الآثار الإنسانية المترتبة عن إذكاء البغضاء بين الديانات وأن الأمم المتحدة دعت إلى حوار الأديان، والتقرب بين الحضارات وهذا الشيء الذي لم يدركه الرئيس الفرنسي، فهل يرى أن نهجه هذا هو الصحيح عندما أساء إلى رسولنا الكريم؟! ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يرسل العذاب على كل من أساء إلى سيد البشرية محمد صلى الله عليه وسلم.
قال الشاعر:
تجلى مولد الهادي فعمت **** بشائره البوادي والقصابا
وأسدت للبرية بنت وهب **** يدا بيضاء طوقت الرقابا
[email protected]