أي إنسان عربي يشعر بمحن أمته، وتنغص هذه المحن حياته، ويعيش اكتئابا ما بعده اكتئاب، فهاهي أمتنا تعيش عصرا من التخاذل والتراجع والانكفاء إلى الداخل والمهادنة مع العدو في عصر لم تشهده من قبل حتى في عصور الظلام، وهذا الضعف الذي تعيشه أمتنا جعل أعداءنا يجرؤون عليها وينهشون من لحمها ويدنسون مقدساتها ويقضمونه من أرضها وتراثها، أمتنا شغلت بكل ما يبعدها عن واجبها الأساسي، وهو حماية مقدساتها والذود عن ديننا واحترام رسولنا عليه افضل الصلاة والسلام.
آه يا أمتي.. إلى أين تسيرين؟! ما الذي فعله بك هؤلاء الأفاكون؟ لقد أصابوك بسهامهم، فلم يعد فيك مكان لجرح جديد، فنزيفك مستمر وضعفك جعل الذئاب تمزق جسدك الواهن وتلعق دماءك، واحسرتاه على أمتي! هاهو مسرى نبيك يدخله المتطرفون اليهود والجيش الإسرائيلي يصدون المسلمين عن الصلاة ليمنعوهم من رفع الأذان فيه، ولعلكم تتذكرون الحفريات حول الأقصى والتي تنذر بسقوطه، فلم يبق منه اثر الا الحرم الابراهيمي، وكل هذا ونحن نمد لليهود حبال الوصال ونعلق حياتنا ومستقبلنا على رضاهم ومشورتهم كأنما خلت امتنا من المخططين والمستشارين، فنصدر البيانات تلو البيانات من شجب واستنكار وإدانة.
إرادتنا هزمت في داخلنا حتى لم نعد نستطيع أن نجتمع على رأي، عفوا أيها المدافعون عن الأقصى وعن مقدساتنا، عفوا فنحن لسنا منكم وانتم لستم منا، ومقدساتكم لا تعنينا، وليس من بينها الأقصى ولا الحرم، فنحن شغلتنا ثرواتنا وكيف ننميها، وعطلنا اين نقضيها، ومشاريعنا كيف نجعلها تصب أموالها في خزائننا! شغلتنا الدنيا بملذاتها ومتاعها، أما أنتم وأقصاكم ومساجدكم وحرمكم فلتبحثوا لكم عن قوم آخرين يساندونكم لم تلوثهم الدنيا ولم ينخدعوا بالمعاهدات والخطوة خطوة، وكلنا نتذكر أطفال الحجارة الذين يتصدون للعدو الإسرائيلي ويواجهون الدبابات بصدورهم العارية ويقفون أمام الموت غير آبهين، يرمون بحجارتهم جنود الاحتلال فتصيبهم وتصيب معها قلب كل جبان آثر دنياه على آخرته وجلس يشاهدكم امام التلفاز، مكتفيا بعبارات وضعها من نوعية الشجب والاستنكار والإدانة.
(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب صلى الله عليه وسلم: «كنا أذلاء بالجاهلية وأعزنا الله بالإسلام».
إن الحرب بيننا وبين اليهود حرب عقيدة قبل كل شيء، فالعقيدة لا تحارب الا بالعقيدة، والصهيونية عقيدة دينية مغلفة بغلاف سياسي، فاليهود متمسكون بعقيدة، ولن يكون لنا شأن ولن نكون لهم بالمرصاد الا اذا تمسكنا بعقيدة «لا اله الا الله محمد رسول الله».
قال تعالى: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)، فإسرائيل ليست بالدولة التي تعبث او تلعب، فلن تكتفي بفلسطين ولا الجولان، ولكنها وضعت على باب الكنيست الإسرائيلي شعار تقول فيه: «اقيموا دولة إسرائيل من الفرات الى النيل»، فلا يجوز الصلح مع إسرائيل، قتلة الأنبياء، فالأرض هي ارض فلسطينيه مباركة وهي ارض الوحي ومسرى النبي صلى الله عليه وسلم، وبها المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله.. واقع ممزق هو واقعنا تسوده الفوضى والأحقاد وجمع الأموال، فلقد سرى الضعف والهوان الى جميع النواحي في مجتمعاتنا سواء في المناصب السياسية او الاجتماعية وحتى الفكرية، وهذا للأسف الشديد يحتم علينا جميعا ان نختار الحل السلمي ونجلس للتفاوض مع اليهود وتنتهي حالة الحرب لأننا لا قبل لنا بهم!
رحم الله المعتصم الذي جمع جيوشه نصرة لامرأة مسلمة استنجدت به، فجمع رجاله، واهتزت أركان الدولة الإسلامية لصرخة هذه المسلمة، ولبى المعتصم نداءها ونصرها وأخذ لها حقها، وجلس صلاح الدين ذات مرة مع اركان حربه، فحدثت بينهم نادرة طريفة، فضحكوا ولم يبتسم صلاح الدين، فقالوا له: لماذا لا تضحك كما نضحك؟! فقال لهم: «انني أستحيي من الله ان يراني مبتسما والمسجد الأقصى في ايدي الصليبين».
حتى الابتسامة حرمها على نفسه، وإسرائيل الآن لا تريد الا لغة واحدة، اللغة التي أخرجتهم من لبنان، وليهتف كل عربي مؤمن كما قال الشاعر:
سأحمل روحي على راحتي
وألقي بها في مهاوي الردى
فإما حياة تسر الصديق
وإما ممات يغيظ العدى
ان الله- سبحانه وتعالى- قادر على ان يرسل لهذه الأمة من يوقظها من سباتها العميق ويبعث فيها حياتها وكرامتها لتثأر لقتلاها وتسترد ما اغتصب منها، ويرفع راية الإسلام خفاقة عالية ترفرف على القدس الحبيبة معلنة نهاية الصهيونية الحاقدة ومن سار في مناكبها من المتآمرين وجيوش المنتفعين من فساد الأموال العربية وعشاق الكراسي.
[email protected]