أحمد العنزي
على الرغم من تعديل تسمية مرض إنفلونزا الخنازير إلى اسم طبي منمق «إتش 1 إن 1» مراعاة لعدم الإضرار بتجارة لحوم الخنازير وتربيتها إلا أن حالة الهلع والخوف التي اكتسحت العالم بسبب ظهور هذا المرض وضعت العلماء والمحللين في حالة من الفوضى دفعت البعض إلى تفسير هذا المرض مستندا الى نظرية المؤامرة، والمتآمر هنا هو عدو العالم ومحور من محاور الشر، إنها القاعدة وبتواطؤ مع مافيا المخدرات المكسيكية، هذا هو التفسير السهل والجاهز لظاهرة علمية بيولوجية وطبية، نظرية المؤامرة أصبحت كأقراص البندول، فالبندول مسكن للآلام وطبيعي أن كل مرض، أو وعكة صحية تصاحبه آلام فالبندول نافع ومفيد لأي مرض، لكن نظرية المؤامرة هذه تعبر في حقيقتها عن غياب التفسير العلمي أو هي تفسير مؤقت سيتلاشى متى ما عرف العلماء السبب الحقيقي والمحفز لظهور مثل هذا النوع الغريب من الإنفلونزا.
ومن التفسيرات التي ذكرت في هذا الصدد أن هناك خنازير ميتة بالجملة في إقليم بالصين أدت إلى ظهور هذا المرض، وهذا التفسير ليس مختلفا عن سابقه فمن بادر بهذا الطرح هم المحللون الأميركيون فهم يريدون أن يقولوا في النهاية إنها أيضا مؤامرة القارة الآسيوية ضد القارة الأميركية وهو ما حدث سابقا في البحث عن مصدر الإيدز حيث الأفارقة يتهمون المجتمع الأميركي المنحل جنسيا والغارق في وحل المخدرات، والأميركيون من جهتهم يتهمون القرد الأفريقي؟
إن مثل هذه التفسيرات هي بمثل غرابة تفسير أحد رجال الدين مرض إنفلونزا الخنازير بأنه انتقام إلهي للمسلمين من الغرب الكافر؟
ومن ضمن التحليلات لظهور إنفلونزا الخنازير تحليل يعتمد على صراع القوى الاقتصادية وشركات الدعاية في العالم، فالخوف أصبح عنصرا مهما من عناصر التسويق وخصوصا في مجال تجارة الأدوية التي أضفت هالة من الرعب وسلطت الضوء على هذا المرض لتسويق منتجاتها الدوائية، وهذا التحليل يعتمد على الأطروحة الماركسية القديمة والقائمة على الصراع المستمر بين البرجوازية والرأسمالية من جهة والعمال والكادحين من جهة أخرى، وأغلب من يروج لهذا التحليل هم من معارضي العولمة والاقتصاد الحر، وهؤلاء يتهمون منظمة الصحة العالمية بمراعاتها للقوى الاقتصادية التي تمول هذه المنظمة بحيث تقلل ـ إلى الآن ـ من درجة المخاوف الخطيرة لهذا المرض.
وعلى الرغم من التطمين الضمني لمنظمة الصحة العالمية، إلا ان الخوف بدأ يتزايد ويكبر ككرة الثلج من أن يتحول هذا المرض الى وباء لا يمكن إيقافه كوباء الطاعون.
لكن هل هناك تفسير علمي لهذا المرض؟ لقد عرف العالم أمراضا شبيهة بالإنفلونزا عام 1918 واكتشفها طبيا في الثلاثينيات عند اكتشافه للبنسلين الذي قضى على أمراض كثيرة، لكنه وقف عاجزا أمام مرض السل الذي انتشر في الأربعينيات بعد اكتشاف البنسلين. والغريب في الأمر انه مع كل اكتشاف طبي ينشأ بالمقابل مرض يستعصي على الحل لمدة طويلة، مما يثير تساؤلات حول العلاقة بين الاكتشاف الطبي واكتشاف أو ظهور الأمراض الجديدة غير المتوقعة. وما يثير الدهشة في هذا الصدد أنه عندما اكتشف العالم لقاحا خاص بإنفلونزا الطيور ظهر في الجانب الآخر مرض إنفلونزا الخنازير، لكن ما يخيف حقا هو أن العدوى في إنفلونزا الطيور تنتقل من الطير للإنسان وهذا الإنسان المصاب لا ينقلها لإنسان آخر كما هي الحال في إنفلونزا الخنازير وهي بناء على ذلك مرشحة لأن تكون وباء يصعب حله وتصعب محاصرته، كما أن العالم لم يطور إلى الآن أي عقار مضاد لڤيروس إنفلونزا الخنازير كما أن هذا الڤيروس هو من تركيبة جينية معقدة حصيلتها الخنزير والطير والإنسان.
ومع ذلك تبقى المشكلة قائمة وهي من أين أتت هذه التركيبة الجينية المعقدة لڤيروس إنفلونزا الخنزير؟ هل أسبابها طبية أم بيئية؟
والسؤال الأهم من ذلك بالنسبة لنا ككويتيين نعيش في هذا العالم: هل قامت الحكومة بدعوة الأطباء والمتخصصين لدراسة هذا الموضوع بجدية بعيدا عن المكاسب السياسية؟
إذن نحن بحاجة لنواب يسألون مثل هذه الأسئلة.