العالم يموج في بحر المونديال المقام في دولة قطر الشقيقة، وقد برزت من الأعماق أمور عديدة بعضها يعبر عن الجمال وبعضها الآخر ليس فيه من الجمال شيء، بل قد يصل إلى القبح وحول ذلك الحدث العالمي المميز ننبه إلى ملاحظات جديرة بالتأمل:
أولا: أن أي حدث إنساني عام لن يكون بمنأى عن أوجه النقص لأن الفعل الإنساني غير كامل بطبيعته، لذلك فإنه يسعى إلى الكمال ببذل جهده قدر المستطاع، ولقد فهمت دولة قطر الشقيقة الفتية ذلك فكان مونديالها الحدث الأبرز، وقد أدارته بالكفاءة الإدارية والتميز والتفوق والمبادرة الفعالة، إضافة إلى سرعة ودقة اتخاذ المواقف الحكيمة وغير المسبوقة، وقد ارتكز إنجاز قطر على المعاملة الإنسانية الراقية والهدوء في التعامل مع كل ما من شأنه استفزاز أي جهة أو أفراد مشاركين في هذا المونديال، ولقد تابعنا عبر الوسائل الإعلامية المختلفة أحداثا كان من الممكن أن تسبب أجواء مشحونة وتصرفات غير مسؤولة كان من الممكن أن تشوه صورة الحدث العالمي والدولة المضيفة، ولكن حكمة التعامل وسرعة ودقة الأداء كان هما سيد الموقف وهذا يحسب لقطر وقيادتها التي قادت سفينة المونديال باحتراف واقتدار.
ثانيا: أن لكرة القدم جاذبيتها في قلوب بنى البشر جميعا على حد سواء ومن شأن مثل هذه الفعاليات العالمية أن تستثمر لتكريس الأخلاقيات الإيجابية والقيم الحسنة والحميدة، ولقد حاول البعض خلق أجواء الإثارة لإفشال المونديال بشتى الطرق، وتم استغلال جميع الأساليب والدعايات العنصرية الرديئة، وتوظيف قضايا سياسية وأيديولوجية تبث الكراهية بين الشعوب، إلا أننا نؤكد أن كل ذلك لم ينجح في مبتغاه، وأن الجميل سيزداد جمالا لصدقه وأن القبيح يفضح نفسه ويكشف المستتر الكامن فيه.
إنني أعتقد أنه ينبغي على كل إنسان اعتناق قيمة التعايش واحترام الآخر وأن يتخلى عن إهانة الآخر واستفزازه، فإن كل واحد فينا يتمتع بمزايا إيجابية وهى ليست حكرا على شعب أو قارة أو عرق أو دين، لذلك فإن احترام الآخر والتعايش معه هدف سامٍ وواجب إنساني قائم على مبدأ التكافؤ والتماثل والتواصل، ولا أحد أفضل من أحد إلا بالصفاء الأخلاقي فقط.
ثالثا وأخيرا: أن أفضل ما اكتسبته الأمم الإنسانية اليوم هو تعلم الحكمة واحترام الآخر وقبول الاختلافات بشكل عملي إنساني وهذا ما أبرزه مونديال قطر، وهذا يؤكد رؤيتنا في أن التعايش واحترام الآخر والتعدديـة طوق النجاة الإنسانية والسفينة التي يجب أن نزكيها لننجو جميعا، ومن دون ذلك فإننا سنتخندق وراء القوى التي تروج للصراع على كل شيء وعلى أي شيء، وسيؤدي إلى دمار الجميع، وعندئذ لن تجد الإنسانية حائطا تذرف عليه دموعها.