هل الحرية بالنسبة إلينا فكرة أم حقيقة؟ هذا سؤال يحتاج إلى إجابة عميقة لكي تتجلى الحرية أمامنا بوضوح، وهذا التجلي لا ريب أنه يساعد كثيرا في تحقيق جودة الحياة التي نعيشها، فإن كل إنسان يريد أن يتحرر من الخارج ليفعل ما يشاء وما يحب، ولكي يعبر عن نفسه بشتى الطرق، بل ويفكر بالطريقة التي يراها ويرغب فيها، وهذا هو ما نصفه بالتعبير الخارجي عن الحرية، وهو شأن مهم جدا لكن الأهم منه هو معرفة الطريقة المثلى للتعبير خارجيا عن هذه الحرية، ليصبح ما نمارسه حقيقيا ملموسا ومؤثرا في حياتنا.
إن من الأخطاء التي نعيشها اليوم هو ربط مفهوم بمفهوم مغاير له تماما، مثل ربط الحرية بانفلات النفس نحو الشره للماديات، فالحرية في أذهان أو تصورات الكثيرين تعني امتلاك المزيد من أسباب المتعة والأشياء المادية، ولكن هل هذه هي الحرية؟ قطعا ليس الأمر كذلك، فحرية الإنسان لا تعني الانغماس في الفوضوية لإشباع الرغبات.
إن الحرية أسلوب يصون جمال الحياة ونمنماتها الحيوية، لذلك لابد أن تكون ذات مدلول واضح، وهذا المدلول يتجاوز عقدة الامتلاك والـ best sellers ليحقق نور التعرف على كوامن الذات والتوجيه الأمثل لمشاعلها التي تهدي لتنوير الظاهر والباطن، ومن هنا فإن حريتنا هي حرية روحية ذاتية ومعرفية كاملة تتيح لنا تمييزا واضحا وحاسما بين ما هو حقيقي وما هو زائف، كما أنها تنير لنا الدرب نحو إدراك الحقائق دون الخوف والانجراف من ضغط ثقافة المجتمع الذي نعيش فيه.
إن الحرية الحقيقية تتجلى في أبهى صورها عندما نفهم الحياة اليومية ونمارسها بنجاح للخروج من الملل والرقابة والوحدة واليأس والقلق، لذا ينبغي لنا أن نتعمق في إيجاد أهداف لنا تزيد الحياة بهجة وانضباطا معا في آن واحد.
يجب أن نفهم أننا أفراد وأننا قادرون على التحرر تماما من كل المشكلات التي تثقل عقولنا وأرواحنا، وأن ندرك أنه من واجبنا أن نستكشف الذات العميقة التي بداخلنا، وهنا تتجلى الحاجة الماسة إلى الحرية الحقيقية، أي الحرية المنضبطة الهادئة، علما أن من شروط الانضباط وجود عمليتين أساسيتين، هما المراقبة والمحاسبة، وأود التنويه إلى أن الانضباط لا يعني اتباع نمط ديني أو فلسفي محدد، ولا يعني الانقياد مع مجتمع بلا اقتناع، بل إن الانضباط هو التوازن النابع من حركة التعلم والمعرفة ومن ممارسة المراقبة والمحاسبة، وبذلك كله يحصل الرقي الإنساني للفرد والمجتمع.
إن جمال الحرية سبب إحياء الإنسان ليتمكن من ترسيخ وجوده الهادف في الكون.