سطحية تناول كثير من القضايا بمختلف مستوياتها وتنوع موضوعاتها يكاد يكون أهم المظاهر المتفشية في مجتمعنا الذي كثر فيه القال والقيل، فتجد كثيرا من الناس أصبحوا موسوعيين وفي كل واد يخبطون، فمن مسائل الدين، إلى السياسة، فالاقتصاد، فالرياضة، وغالبا ما يكون الكلام اجترارا لبعض الآراء وردود الأفعال التي يتوخى منها أصحابها الرغبة في الظهور من أجل الظهور، والكلام من أجل الكلام. إن شيوع هذا النمط من التفكير الذي تسيطر عليه الانفعالات والعواطف لم يعد مقصورا على فئة معينة دون أخرى، فمضمون الكلام واحد وإن كان أسلوب التعبير عنه مختلفا.
في هذا الجو الصاخب من السطحية قلما يعلو صوت ترفعه قوة المستوى الفكري والخلقي وليست قوة الحبال الصوتية، ويفرض نفسه بـنظرته المعـمقة الحكـيمة، وليس بالإثارة والعنتريات والأقوال المرسلة.
في هذا الجو الصاخب أنى اتجهت تسمع الأحاديث التي ليس من ورائها طائل، وكأن المثل العربي المشهور «أسمع جعجعة ولا أرى طحنا» خرج من فم قائله ليصف ما آل إليه أمرنا اليوم. ولعلي أكون أشد صراحة فأذكر شيئا من مسببات هذا الواقع، وأهم سبب من وجهة نظري الخاصة خفوت صوت المسؤولين الذين يمثلون الدولة على مختلف الأصعدة، ولست أدري ما السبب، أهو عدم الكفاءة في ذواتهم، أم في أداء الأعمال المنوطة بهم، أم بهما معا؟! لماذا لا يبادر المسؤولون لتجلية المواقف وبيان الحقائق ودحض الإشاعات، ولِمَ لا يبادرون لعقد المؤتمرات الإعلامية، وعقد لقاءات دورية مفتوحة مع المواطنين، وبمثل هذه الوسائل وغيرها يزداد الوعي وتقل التخرصات والرجم بالغيب وبث الظنون في كثير من القضايا.
كما ان المجاملة سبب رئيس في انتشار سطحية الطرح في وسائل الإعلام التي فتح الباب على مصراعيه، وفي المجالس والديوانيات المُفتَّحة الأبواب بطبيعتها، ولو أن كل من يستطيع الكلام أدلى بدلوه فيما يعرف وما لا يعرف وفيما يحسن وما لا يحسن، وجد من يناقشه ويعارضه ويستوضح منه مطالبا بالأدلة والبراهين، لحبس كثير ممن نرى ونسمع ألسنتهم، ولكنهم أطلقوها حين وجدوا غالب من يسمع منهم يهز رأسه لهم فحسب، فأوغلوا وتمادوا.
إننا أحوج ما يكون إلى صوت الحكمة الصادر عن الأخلاق النبيلة والمعرفة الأصيلة، فهما المعياران اللذان يقاس بهما مستوى الأفراد والمجتمعات والدول رفعة أو انحطاطا.
[email protected]