الفيلسوفة الكبرى
مشكلتنا كشعوب عربية أننا نعشق التقليد، ونموت على كل ما هو مستورد ولايهم إن كان جيدا أو رديئا.
بدأنا باستيراد المسلسلات المكسيكية الطويلة التي تتم دبلجتها لينشغل بها الجميع كبارا وصغارا وصرنا نشاهد مناظر ومشاهد تفسد الأخلاق والذوق العام.
بعد ذلك جن جنون الفضائيات ببرامج تلفزيون الواقع وتم تعريبه ونقله حرفيا إلى عالمنا العربي ليجن به الشباب من الجنسين «الأغلبية في سن المراهقة» فكانت «ستار أكاديمي» و«big brother» و«الرئيس»، و«الوادي».. إلخ.
وهي برامج في أغلبها ظاهرها يعتمد على الموهبة الغنائية والأصوات الجيدة وتدريبها وصقلها ومن ثم تخريجها لتواجه حياة الشهرة والأضواء.
ودون مبالغة فشل جميع من تخرج في هذه البرامج من أول لحظة خرجوا فيها من هذه البرامج، وباطنها تجميع الصبية والفتيات في مكان منعزل عن ذويهم ووضع كاميرات مراقبة لهم في كل مكان لتكثر بذلك قصص الحب والغرام وكل ما تشاهدونه مجرد براءة! أمام الجمهور الذي يشاهد ويقلد، فالأغلبية مراهقون، ومن الطبيعي ان يتم التقليد، وبلا تفكير أصبح العالم العربي يعج بأصحاب وصويحبات الأصوات الناعقة المتحشرجة المتفسخة ممن يجدن العري والتسدح أمام الكاميرات.
هدأت موجة هذه البرامج «لبعض الوقت» ليطل علينا مسلسل تركي.. أقل ما يقال عنه انه سخيف، ممل، ماسخ، لا روح فيه، اسمه «مهند ونور» و«يحيى ولميس» أو العكس «للأمانة أنا لم أشاهد ولا دقيقة من كلا المسلسلين» بعد ان تمت دبلجتهما الى اللهجة الشامية وصار عندهم «ضيعة، وحارة، ومكدوس، وتبولة»، وليس بعيدا ان يصير عندهم «مجبوس ودقوس».
جنت بنات حواء العربيات، وطار ما تبقى من عقولهن، وهن يتابعن بطل المسلسل، وحدثت مشاكل جمّة بين المتزوجات وأزواجهن والمخطوبات وخطابهن، والآنسات والعجائز، فكل واحدة تمني نفسها بفارس أحلام كمهند، ممثل عادي جدا شكلا وأداء «هذا رأيي الشخصي وإن لم يعجبكن».
وجدت ان هذه الموجة اجتاحت الكل صغارا وكبارا مراهقين وناضجين، فما هي قصة هذا المسلسل؟!
ليست قصة جاذبة بقدر ما هو هروب من واقع عربي مؤلم وخيال خصب يتمنى أن يعيش بين القصور والبذخ وزوج محب يمطر زوجته بوابل من الكلمات المعسولة والهدايا الثمينة مما تفتقده الزوجات في واقعهن المعيش.
استغل بعض التجار والمتعهدين شعبية هذا المسلسل في بلداننا العربية فأحضروا نجوم هذا المسلسل في بلدانهم «والدور جاي علينا» واستقبلوهم استقبال الفاتحين والأبطال، وكعادتنا كما أسلفت كشعوب عربية تعشق التقليد حدثت حالات إغماء وازدحام على بطل المسلسل.. كما استغلت إحدى مغنيات العُريّ و«التفصخ» شهرة بطل العمل لتصور معه ڤيديو كليب مستثمرة شهرة هذا الممثل وشعبيته في أغنيتها كما فعلت من قبل مع الشحرورة.
كما ان برلمان إحدى الدول العربية هدد بعض أعضائه وزيرة لمجرد انها سلمت وصورت مع هذا الممثل.
الممثلون الأتراك أبطال هذا الممثل صدموا من شهرة مسلسلهم البالغ عدد حلقاته المئات «ربما مئتان أو ثلاث لا أدري لست من متابعيه» واغتنوا ماديا طبعا من وراء هذا الزخم الإعلامي العربي، حتى ان أهل الدين والفتوى أفتوا بحرمانية مشاهدة هذا المسلسل وتكفير من يشاهده «أموت واعرف كيف أصدروا فتواهم وهم لم يشاهدوا المسلسل»! إلا إذا كانوا يشاهدونه بالخفاء؟!
كما تناقلت وكالات الأنباء أخيرا خبر تأجير القصر في المسلسل لعروسين كويتيين ولمدة ثلاثة أيام لإقامة حفل زفافهما.. ومازالا يتفاوضان لحضور مهند ونور حفل الزفاف.. وقد وزّعا رقاع الدعوة ومرفقة معها تذكرة سفر.. وإقامة في فندق 5 نجوم «وناسة اعزموني».
مشكلتنا كشعوب عربية اننا نعشق التقليد ونموت على من يسطح تفكيرنا ويفرغ حياتنا من أهدافها دون ان نلتفت للأضرار التي ستلحق بنا من جراء هذا التقليد.
المهم أن نعيش لحظات رومانسية مع مهند ونور ولميس ويحيى وإلى أن تظهر موضة برامج مجنونة جديدة.. نلقاكم على خير.