استقالة السادة الوزراء ليست بالحدث المفاجئ، ولن تكون الأخيرة مادامت العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية تسير بنفس الوتيرة.
فلقد بلغ السيل الزبى، وما أقدم عليه السادة الوزراء هو تجنب القادم من الأيام، فالوعيد والتهديد أصبح أمرا طبيعيا ونهجا للبعض ولغة للبعض الآخر، فالمسؤولية الكبرى تقع علينا جميعا مواطنين وصحافة وحكومة ونوابا، فتردي الأوضاع وما وصلنا إليه مسؤولية الجميع.
أما عن تصريحات النواب وترحيبهم باستقالة الحكومة فيذكرنا بالمثل الشعبي «ضربني وبكى وسبقني واشتكى»، لذا نتوجه بدعائنا الى الله سبحانه وتعالى ان يعين صاحب السمو الأمير بحلمه وحكمته ليجد الحل الأمثل لاستقرار الكويت بعيدا عن الصراعات والمهاترات.
اما سمو رئيس مجلس الوزراء، فإنني أهنئه على حلمه وصبره على بعض النواب، واشكره على جهوده المخلصة في تحقيق مصلحة الوطن والمواطنين، ومحاولاته الجادة والحثيثة لخلق مناخ من العمل المتجانس مع مجلس الأمة وقطع فتيل التأزيم لأكثر من مرة والردة التي دأب على افتعالها بعض النواب، وانا متأكد من ان السادة النواب لم يفهموا الشيخ ناصر الأحمد لأن من يتعرف عليه عن قرب لا يمد له يدا بل يديه الاثنتين، وليس من عادتي أن امتدح من لا يستحق المديح، فهو غني عن ذلك، نرفع أسمى آيات التقدير والاخلاص لسمو رئيس مجلس الوزراء فهو من رجالات السياسة البارزين والذي يشهد له تاريخه الناصع بكل خير قدمه ولايزال لوطننا الحبيب.
إذا ابتعد القلب عن ذكر الله وانسلخ من الرحمة والرأفة والأخوة فلا محال من اصابته بمرض خطير يسمى قسوة القلب، ولهذا الداء آثار سيئة أعظمها البعد عن الله، وما أكثر القلوب القاسية التي تعيش بين جوانبنا في هذا العصر الذي غدت قسوة القلب سمة من سماته، بحيث نرى اجسادا من لحم ودم، تسكنها قلوب أقسى من الحجارة يصدق فيهم قول المولى عز وجل (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة)، فهي لا تعرف الحب ولا الرحمة تنبض بالكراهية والحقد والحسد سلاحها الغدر والخيانة تلهث دوما نحو الدمار والخراب، لا يهدأ لها بال الا بمعاناة الآخرين والتلذذ في خذلانهم وزيادة مأساتهم فقلوبهم مريضة ومغلفة ولاهية ومختوم عليها، قال فيهم الباري: (وختم على سمعه وقلبه) وبقوله أيضا: (فيطمع الذي في قلبه مرض) وكذلك: (وقالوا قلوبنا غلف)، وبقوله تعالى: (قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب)، (وما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون، لاهية قلوبهم).
وعن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) قال: «إن رجلا شكا الى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قسوة قلبه فقال: إذا أحببت ان يلين قلبك فامسح رأس اليتيم وأطعم المسكين».
إن الإسلام يعلمنا الرحمة ويحثنا على ان تلين قلوبنا حتى على باقي مخلوقاته، واذا ما ابتعد المرء عن هذا النهج فسيقسو قلبه ويغدو كالحجارة، وهيهات للحجارة ان تلين، ولقد غلب على هذا العصر حب الذات فالكل لا يهمه الا نفسه فترى الأب يترك أبناءه ويقسو عليهم حتى يصاب الأبناء بالأمراض النفسية والتي هي أخطر من الأمراض الجسدية، والأبناء يعصون الآباء ولا يبرون بهم والأخ يعادي أخاه، والأم تفقد الحنان وتتجمد عواطفها تجاه أبنائها، والأصدقاء يحملون في قلوبهم الغل والحقد والحسد لأصدقائهم، والجميع يعاني من آفة قسوة القلب، والنفس تنفر من القاسية قلوبهم وتبتعد عنهم قال تعالى: (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك)، والمشاعر تبتعد عن القلوب القاسية ومهما حاولت ان تثنيهم عن صلفهم، تجدهم يزدادون قسوة وعنادا وتأخذهم العزة بالإثم، فالعطاء والمسامحة والمحبة عصية عليهم وتكمن نشواهم في حب النفس وعدم الشعور بآلام الآخرين ويتسمون ببلادة المشاعر، وهم في حقيقة ذاتهم لا يشعرون بالسعادة لأن السعادة الحقيقية تكمن في أن تحِب وتحَب، وبالقلوب الحانية التي تملأ النفس بنشوة قل نظيرها.
ومن أسباب قساوة القلوب البعد عن ذكر الله والغفلة ورفقة السوء وأكل الحرام وفعل المعاصي والمجاهرة بها والرضا بالجهل والكبر والإعجاب بالنفس وسوء الخلق وطول الأمل ونسيان بغتة الموت، يقول ابن القيم: «إن في القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله تعالى»، وقال ايضا، رحمه الله: «ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب والبعد عن الله وما خلقت النار إلا لإذابة القلوب القاسية وان أبعد القلوب من الله القلب القاسي».
فإلى متى ستبقى القلوب قاسية؟ أما آن لها ان تستمع الى نداء ربها وهو يخاطبها قائلا: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق).
اللهم اجعلنا من اصحاب القلوب المطمئنة الخاشعة التي يصدق فيها قول الحق: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، ولا تجعلنا من أصحاب القلوب القاسية، ونسألك ان تمن علينا بقلوب طيبة، وأرواح راضية ومشاعر رقيقة ونية صافية وعقل صادق وان توفقنا لأن نحافظ على ما وهبتنا اياه من رحمة ورأفة وان تجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم.
رب اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا.