في عطلة نهاية الاسبوع خرجت وبرفقتي اسرتي في جولة بالدولة وبينما نحن سائرون بإحدى الطرق السريعة، لفت نظري منظر لسنا متعودين ان نراه كسائقين في حركة المرور فالكل ملتزم بالسرعة المقررة لا رعونة، لا تجاوز يمينا او يسارا، قفز الى ذهني ان السبب تكثيف كاميرات المراقبة او تواجد سيارات المرور، الا انه تبين لي عدم وجود اي منهما، اشتد استغرابي عندما وصلت الى احد المخارج من الطريق السريع لانتفاء الزحمة المعتادة والكل ملتزم بالحارة التي يسلكها، أيقظني من ذهولي رنين الهاتف وصوت صديق مسؤول بوزارة التربية يخبرني بقرار سيتم اتخاذه عن التغيير في المناهج التربوية والتعليم الرسمي والخاص على المستويات كافة، خصوصا الجامعات ومدى التطوير الذي يتواءم ويحاكي الدولة المتقدمة، تابعت طريقي باتجاه المدينة، واذ بي امام مكتبة عامة، فقررت دخولها للتأكد من وجود اصدقاء للكتاب من عدمه فوجدت عددا كبيرا من المواطنين منهكين في القراءة، توسمت خيرا في ذلك محدثا نفسي قائلا: لله الحمد، لقد زالت الفجوة بين المواطن والكتاب، واصبح للوقت قيمة تستغل في نهل العلم والثقافة، التقيت خلال تواجدي بالمكتبة صديقا اعلاميا حدثني عن الاعلام ودوره في الخطة المستقبلية والذي سيساهم في نشر الوعي الوطني ومحاكاة شرائح المجتمع وتفاعلها وانصهارها ببوتقة واحدة، شغلها الاول والاخير الوطن واستقراره وتحقيق الطمأنينة والتكافل والتكاتف بينها، بحيث لم يعد هناك وجود للمحسوبية والواسطة، ليؤدي الجميع واجبهم على اكمل وجه ودون تردد، لا حسد ولا بغض، لا كره ولا غل، النفوس صافية متحابة تبتغي الخير للآخرين كما تريده لنفسها، شعار الجميع الولاء للوطن والحرية والديموقراطية لتتلاشى الطائفية والقبلية والحزبية وستصبح ان شاء الله ماضيا غير مأسوف عليه، شعور وهدف المواطنين العمل قولا وفعلا لأجل رفعة وتقدم الوطن لا غير.
جاءني هاتف آخر، فإذ بمحدثي دكتور وهو مدير احد المستشفيات الحكومية، يؤكد لي موافقة مجلس الوزراء على استقدام دكاترة بمختلف التخصصات والذي بناء عليه سيتم الاستغناء عن ظاهرة العلاج بالخارج علاوة على ما ستحققه الوزارة من تخفيف العبء عن ميزانية الدولة المخصصة للصحة عن طريق فرض رسوم صرف الادوية التي كانت تستنزف الملايين من الميزانية دون الاستفادة منها بسبب رميها او بيعها.
وبعد هذا الخبر بيوم اتجهت لحضور احدى جلسات مجلس الامة ذات الوجوه الجديدة ولاحظت دلائل الخير منذ دخولي قبة البرلمان، فالهدوء والبشاشة الباديان على محيا الجميع يؤكدان ذلك، أذهلني هذا التناغم والحوار الحضاري بين كل من النواب والوزراء، فلا مهاترات ولا ضجة عديمة المحتوى، الكل ملتزم بالقوانين لا يتعدى احد على غيره، هذه هي الأخلاق الطيبة التي هي اساس المجتمع الكويتي، وهيبة القانون مصانة وتتجلى في أحلى صورها، هدف الجميع السير قدما في عملية التنمية والعطاء والتقدم محققين العدل والتوازن والمساواة بين المواطنين، مؤمنين باحترام الدستور والقانون متجردين من النوازع والأهواء الشخصية، كما تعلو وتتقدم المصلحة العامة على ما عداها، لم يعد هناك من يتجرأ على الحكومة لأن هيبتها تمنعهم، فالمساءلة بالمرصاد وتطول الكبير قبل الصغير، مراعاة الخواطر والمحسوبية بدأت تتلاشى ولن تكون هناك عصابات للفساد وسيبدأ هذا الوطن ينمو ويقوى لتصبح المحبة والوئام والاخوة تمثل السلطة العليا والحاكم المطلق ليأتي اهتمام الدولة بتقديم جميع التسهيلات للمبتكرين والمبدعين المنسيين، توجهت الى المولى بالشكر والدعاء على هذه المنح السماوية التي أينع بها الوطن أخيرا بعد طول انتظار.
ظل شغلي الشاغل ان أطمئن ايضا على وضع الاسرة الكويتية ودورها في تنشئة الاجيال، قلت ليس امامي سوى الاتصال بوكيل وزارة الشؤون، والذي بدوره افادني بأن الجميع يسعى لخلق وتوفير مناخ فكري ونفسي انطلاقا من قواعد تربوية وعلمية بغية الارتقاء بالمستوى السلوكي للابناء وتنميته وإثرائه، وهذا هو الشغل الشاغل للآباء والأمهات، وأصبح التعاطي بإيجابية واقعا حياتيا داخل الاسرة وخارجها، الامر الذي ادى الى القضاء على ظاهرة العقوق من جهة، وانتشار البر والرحمة بين الابناء والآباء من جهة اخرى.
انعكست فرحتي وسعادتي الى ألم وحسرة حينما أيقنت ان تلك اللحظات اليتيمة التي مررت بها ليست سوى حلم من الاحلام، ورغم ذلك اسمح لي ايها القارئ أن أقدم حلما من احلامي بهذه الاوراق لترى كيف اريد ان يكون وطني، وطن تتناغم فيه كل شرائح المجتمع بمختلف مشاربه ومذاهبه، وطن ليست للفتنة مكان في عقول ابناء شعبه، وهل سيأتي هذا اليوم الذي يصبح الحلم حقيقة ويتحول سراب ايامنا الى واقع نعيشه ام ستبقى فسحة الاحلام هي الملاذ لأرواحنا المتعبة؟ والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.
رب اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا