القيادة فن وذوق وأخلاق، هذه العبارة، أو هذا الشعار اختفى من الشوارع، كما اختفى من نفوس السائقين، حيث لم يعد السائق يمتلك الفن والذوق أو الأخلاق عند قيادته لمركبته، وباتت العبارة المذكورة من الماضي، وكل ما هو ماض لا يعود الا بالتذكير والالزام، ولقد آن الأوان لأن يتقدم السادة نواب المجلس بسن قوانين وتشريعات جديدة لقانون المرور، تكفل الحفاظ على الأرواح والممتلكات، فأغلب الدول تتغير قوانينها تماشيا مع التطور والظروف، لذا فقد أصبح من الضروري نظرا للزيادة السكانية، وانفلات ورعونة بعض السائقين ان يتم رفع قيمة المخالفات وخصمها من الراتب، وإبعاد الوافد بعد تكرار مخالفته اذا كانت جسيمة، كما هو مطبق في دول الخليج.
فكم يضيق صدر الانسان عندما يرى اخبار الحوادث المرورية المفجعة وضحاياها الذين لا ذنب لهم، وذلك نتيجة رعونة أحدهم سواء بتجاوزه الاشارة الحمراء أو حدود السرعة، وغير ذلك من السلوكيات التي صبغت مجتمعنا بالسلبية.
ويخيّل لكل من يقرأ صحفنا المحلية ان البلد يعيش دون قانون، وليس غريبا ان يطلق على بعض شوارع الكويت «شوارع الموت» لما تشهده من ازهاق للأرواح، والمخالفات في ازدياد وحجز المركبات لم تعد الأماكن تتسع له، ورغم حرص المديرين العامين الذين ترأسوا إدارة المرور، الا ان الشباب المستهتر لا يتوانى في التباهي باظهار طيشه واستهتاره، فالدراجات النارية وما يصاحبها من استعراضات بهلوانية تثير الرعب في نفوس مستخدمي الطرق، مما يؤدي الى حوادث مميتة يذهب ضحيتها أناس ابرياء لا ذنب لهم الا ان حظهم العاثر وضعهم مع فئة غير مسؤولة في الشارع نفسه.
ومن الخطأ ان نطلق على مسألة ازدحام المرور مسمى ازمة أو مشكلة، لأن هذا الازدحام نجده في كل بلد، ويتم في اوقات معينة، ويراعى في التنظيم والانضباط، اما في الكويت فالمسمى الصحيح هو فوضى المرور بكل ما تعنيه هذه الكلمة بسبب تسابق السائقين في الدوارات، وتجاوز الاشارات المرورية، حتى التزاحم وخلق المشاكل على المواقف، ولا أخطئ عندما اشبه مشكلة السيارات بمشكلة الوافدين التي يعاني منها المواطن الكويتي بسبب كثرة عددهم وما ينتج عنهم من مشاكل، ومسؤولية الفوضى المرورية لا تحل من ادارة المرور فقط، بل هي أكبر من ذلك، ويا حبذا لو عمل بعض المتطوعين فوق الأربعين من العمر تحت اشراف ادارة المرور لمساندة رجال المرور في تنظيم هذه المشكلة لسد النقص.
وفوضى الشارع ازدادت بسبب التاكسي الجوال والباصات، فسائقوها يتسابقون للوصول الى المحطات والى الركاب قبل بعضهم البعض، فلا هم لهم الا تحصيل اكبر عدد ممكن من الركاب، فمن يتصور ان شارع فهد السالم، وبالتحديد من دوار الشيراتون الى الصفاة تجتمع فيه في الجانب الواحد أكثر من أربع وعشرين حافلة في توقيت واحد، فهل الطاقة الاستيعابية له تسع هذا العدد؟ سؤال نترك للمسؤولين الاجابة عنه.
وصور جثث السيارات الحديثة والاشجار واعمدة الانارة لا تتوقف، واذا ما اضيف الى هذه السلبيات الواسطة وما يخرج منها من رجوع عن القرارات كإلغاء دوار أو مطب أو تسكير فتحة ارضاء لخاطر فلان إو علان، علاوة على التحايل الذي يتم عند الفحص الفني، فمحلات تأجير الاطارات وما تحتاجه السيارة لاجتياز الاختبار الفني متوافرة وغدت مشروعا رابحا ومنتجا.
اما عن سوء التخطيط فحدث ولا حرج، فتنظيم حركة المرور في مخارج ومداخل الشوارع «حبلى» بالأخطاء، فالاشارات المرورية في الشارع نفسه لا تبعد الواحدة عن الأخرى الا أمتارا قليلة، وتجد واحدة خضراء والثانية حمراء، قيقف الشارع ويغلق التقاطع وتتلألأ ألوان الاشارات المرورية في عينيك دونما حركة من السيارات، فالمربع مقفل من جميع الجهات، ورغم ذلك لا يتم تحريك ساكن إزاء هذا الوضع.
كل هذه الاعتبارات يجب مراعاتها ليتسنى لنا الحد من مشاكل المرور والحوادث الخطيرة التي تؤدي الى فقدان واصابة العناصر الشابة، وهذا في حد ذاته يمثل خسارة وطنية كبيرة لها ابعادها السلبية على واقع الوطن، ومستشفى الرازي الشاهد الأول على حوادث الطرق. وجميع مديري المرور يعملون بكل طاقتهم ونشاطهم ولا ينقصهم الا من يؤازرهم ويساندهم، ويرجع ذلك الى اهتمام السادة النواب بوضع تلك التشريعات، وعدم التدخل والتوسط لمرتكبي المخالفات، لو تمت هذه الأمور لزالت الشكوى اليومية من الناس، وبدت حركة المرور انسيابية هادئة.
فلزاما على الجهات المعنية العمل على وضع استراتيجية وطنية تهدف الى تطوير الكفاءات، ووضع وتفعيل خطط ربط عمليات المرور وخدمات النقل بالخطط التنموية للدولة، ومراعاة هندسة الطرق بالشكل الذي يحد من الازدحام المروري.
أتقدم بالشكر والتقدير لكل من تابع هذه المقالات وأبدى رأيه ايجابا أو سلبا، وكذلك الشكر موصول للصحف المحلية وفق الترتيب الأبجدي «الأنباء، السياسة، الشاهد، عالم اليوم، النهار، الوطن» لمساهمتها الكريمة في نشر سطور هذه المقالات، ولما قدمته من تعاون كبير، وفق الله الجميع لمرضاته.
رب اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا