في عز الحرب الباردة بين أميركا وروسيا كان جوزيف ماكارثي الأكثر شعبية بين نواب الكونغرس الأميركي منذ عام 1947 إلى 1957 وكان سبب شهرته هو ادعاؤه بأن هناك العديد من الذين يميلون فكريا للشيوعية والاتحاد السوفييتي داخل الحكومة الفيدرالية الأميركية، وادعى كذلك أن هناك مجموعة كبيرة من المثقفين والكتاب الأميركان شيوعيي الفكر وداعمين للسوفييت، ووضع قائمة فيها 205 أسماء من النخب الفكرية واتهمهم بالشيوعية.
نتيجة لهذه الادعاءات تم سجن أكثر من 200 من الشخصيات العامة وخسر أكثر من عشرة آلاف شخص وظائفهم وتم التضييق عليهم منهم، ألبرت أينشتاين، مارتن لوثر كينغ، آرثر ميللر وتشارلى تشابلن، وتم منع أكثر من أربعة آلاف عالم ومفكر أوروبي من دخول الولايات المتحدة، كل هؤلاء الشخصيات والعلماء والمفكرين لم يستطيعوا أن يقفوا في وجه ادعاء شخص سياسي جاهل ومدمن مخدرات وضع قائمة دون أي دليل مادي، وكل هدفه هو الحصول على شعبية حتى يربح الانتخابات، فكمم أفواها فكرية لها أثر عظيم في التاريخ البشري.
كانت ردة فعل الشعب الأميركي تأييدا قويا لمكارثي بالبداية خصوصا مع تخويفه من الشيوعية وادعائه بأن هدفها هو القضاء على المسيحية، لكن مع كثرة ادعاءاته الباطلة ووقوف مجموعة من المفكرين والإعلاميين في وجهه، خف تأييد العامة له، فأصبح مكارثي الذي كان يوزع صكوك الغفران من الشيوعية في المجتمع الأميركي متهما بالفساد والتزوير لدى المحكمة، وأدانه الكونغرس، ليصبح مدمن مخدرات، وأصبح هذا النهج الذي يقصي المفكرين في المجتمع ويتهمهم يسمى باسمه «المكارثية».
المكارثية في مجتمعاتنا «أكثر من الهمّ على القلب»، فكلما نظرت لزاوية تجدها برداء مختلف فالمثقف الحكومي يتهم الطرف الآخر بأنه غير وطني ورجل الدين يتهم رجل الدين الآخر بالكفر، وأما السياسيون فحدّث ولا حرج، وهذا النهج هادم قوي لتطورات المجتمع، فالمثقف والأكاديمي يخاف أن ينطق بفكره من التخوين والتشكيك في نواياه، والعالم لا يجد البيئة السليمة حتى يبدع في مجاله بسبب المضايقات الفكرية وهلم جره.
نهج «إن لم تكن معي فأنت ضدي» تتبناه أغلب الدول العربية، الهدف منه تخويف أي شخص يفكر بأن يسلط الضوء على الأخطاء الواقعة في المجتمع سواء لأسباب سياسية أو اجتماعية، ومن المسلمات أنه لم يسبق لأمة أن تطورت دون أن تكون حرية التفكير والتعبير متوافرة فيها، فمهما كان الفكر الأحادي عظيما لابد من أن تكون له أخطاء وتصحيحها يكون عن طريق إتاحة الحرية للرأي الآخر، فالحل لهذا النهج هو بإقرار قوانين تضمن حريات التفكير والتعبير.