كلمة «تنساي» اليابانية تعادل كلمة العبقرية باللغة العربية كمعنى لكن تختلف اختلافا كبيرا كمفهوم، تنساي تنقسم لقسمين الأول «تن» وهي ترمز للسماء أو الجنة مكان سكن الآلهة، والقسم الثاني «ساي» ترمز للموهبة، وإن ربطنا بين الجزئية أصبح المعنى الموهبة السماوية.
أما ما يقابلها من العربية فكلمة «عبقرية»، مشتقة من وادي عبقر، ذلك الوادي التاريخي الذي يعتبر لدى العرب الأوائل مسكنا للجن خصوصا الشعراء منهم، ويعتقد بأن لكل شاعر من عظماء الشعراء العرب لديه قرين من هذا الوادي، وكان يسمون هؤلاء القرناء بأسماء كأنهم حقيقة واقعة، على سبيل المثال الشاعر امرؤ القيس كان يسمى قرينه لافظ بن لاحظ، وكان يطلق على الشخص شديد الذكاء عبقريا نسبة لهذا الوادي المسكون بالجن، وكأن الكلمة توحي بأن العبقري مجنون، خصوصا أن تعريف «المجنون» لدى العرب السابقين هو الشخص الذي يسكنه الجن، فيصبح مختلا عقليا.
اللغة بنت بيئتها، فما يجول في عقول أصحابها ينعكس على لغتهم، بدراسة اللغة والمعاني المرتبطة في الكلمات ومصادرها يستطيع الباحث فهم فلسفة أصحابها ونظرتهم للعالم، وآلية التعاطي معه، فلا يخفى على أحد أن نسبة كبيرة من علماء الحضارة العربية تعرضوا للاتهام بالجنون والاضطهاد والقتل أحيانا كثيرة، وخصوصا «العباقرة» منهم الذين نفخر بهم حاليا كابن رشد والرازي، ابن سينا، المعري، الكندي، وحتى عباس بن فرناس.
في الطرف الآخر نجد اهتماما بالغا لدى اليابانيين بعباقرتهم أو «التنساي» كما يطلقون عليهم، فتجد أنهم يزينون نقودهم بصورهم، ويهتمون بهم وهم على قيد الحياة، ويسخرون لهم كل السبل حتى يزيدوا من إنتاجهم وعطائهم.
يبدو أنه مازال هناك ربط في عقول الناس بين وادي عبقر والعباقرة، فيتهمون بالجنون، ولا يعطون التقدير والاهتمام بل يتعرضون لازدراء المجتمع في أحيان كثيرة فقط، لأن عقليتهم لا تتفق مع النظرة العامة للمجتمع، فنخسرهم ونخسر عطاءهم، ونكرم بعضهم أحيانا بعد مماتهم، لذلك نجد أن من يبرز منهم بالعلم يكون ـ للأسف ـ من المهاجرين لعدم توفيرنا البيئة السليمة لهم.