في الأول من سبتمبر من كل عام يقوم اليابانيون بتدريبات وأنشطة لتثقيف الناس بكيفية حماية أنفسهم من الزلازل، لم يكن هذا التاريخ مصادفة، فهو اليوم الذي ضرب طوكيو وضواحيها الزلزال العظيم عام ١٩٢٣، الذي تسبب بموت ١٠٠ ألف ياباني وفقدان ٤٠ ألفا لم يتوصل اليابانيون الى جثثهم، لم يكن الزلزال السبب المباشر للدمار، إنما النيران التي أصبحت كزوبعة رياح ممتدة إلى السماء تحصد كل ما يمر في طريقها، ومن لم يمت بالنار مات بسبب التسونامي الذي ضرب الجزيرة وجرف كل شيء في طريقه، لقد كان الدمار في كل مكان، أصبحت العاصمة وضواحيها، وهي أكبر تمركز سكاني واقتصادي في اليابان ومازال، مجرد أكوام من الخراب.
لم ييأس اليابانيون وأعادوا إعمار عاصمتهم في زمن قياسي، حيث عادت المدارس للتعليم في اليوم التالي للزلزال.
يذكر كتاب (قصة الحضارات) ما نصه «... ويظهر أنه لم يطرأ ببال أحد إذ ذاك أن يغادر تلك المدينة التي تعرض ساكنوها لأكبر الخطر، ففي اليوم التالي لاهتزاز الأرض بزلزالها العظيم الأخير، استخدم صبية المدارس قطعا من مادة الطلاء المتناثرة أقلاما، والأحجار الارتوازية المنثورة من بيوتهم المحطمة ألواحا، واحتملت الأمة صابرة هذه الضربات من يد القدر وخرجت من هذا الدمار المتكرر نشيطة نشاطا لا سبيل إلى الحد منه، ومقدامة على نحو ما يكون المتفائل إقداما».
يذكر التاريخ أن طوكيو تعرضت للدمار الشامل بسبب الزلازل والحروب أكثر من ثلاث مرات، ويعاد إعمارها بسرعة وكل دمار يمر عليها استغله اليابانيون لإعادة تخطيط طوكيو بشكل أفضل وأجمل، وعلى الرغم من التطور العمراني الدائم لطوكيو حاليا، إلا أن كل اليابانيين وخاصة علماء الزلازل متأكدون أنه في القريب ستتعرض لزلزال مدمر في أسوء حالاته ممكن أن يقسم جزيرة طوكيو لنصفين حسب ما يقوله علماء الزلازل اليابانيون.
نعود للكويت ذات البيئة الصحراوية التي على الرغم من جفافها، إلا أننا نعيش في استقرار فيها فلا نخاف من زلازل ولا براكين ولا حتى عواصف أو انهيارات جبلية أو تراكم جليدي مثلما يعاني منه اليابانيون، فكل ما يتغير عندنا في الطقس مجرد هطول أمطار شحيحة مقارنة باليابان في بداية فصل الشتاء، وهذا الموسم يتشوق للقياه الكويتيون كل عام ويفرحون بمروره، وعلى الرغم من أن مسماه موسم الأمطار إلا أن المطر يهطل فيه من خمس إلى عشر مرات في أحسن حال، وفي السنوات الأخيرة أصبحت هذه المرات كأنها كارثة طبيعية تمر علينا، فتجد سيولا تمر بين المنازل في مكان، وطفح في مياه الصرف الصحي في مكان آخر، والشوارع يتطاير منها الحصى، وعلى الرغم من تكرر هذه المشاهد كل عام، تصرح وزيرة الأشغال ببداية كل موسم بأن الوزارة على أتم استعداد، وعندما أسمع هذا التصريح وتكرار المشاكل يدور في ذهني سؤال دائم ماذا لو كانت طوكيو كويتية؟!
اليابانيون ليسوا أحسن منا في شيء، بل لدينا إمكانات ومزايا أفضل بكثير منهم، لكن لديهم وزراء ومسؤولين يحاربون الفساد، ويحاسبون كل فاسد يرغب بالسرقة من المال العام وتتم إدانته ويسجن، ويتميزون عنا بقدرتهم على أن يضعوا الشخص المناسب في المكان المناسب.