ما ان ينتهي أي مواطن كويتي أو وافد من إنهاء معاملة ما في إحدى الدوائر الحكومية حتى يجد نفسه من جديد واقفا بطابور أو جالسا بانتظار ظهور رقمه على الشاشة لينجز معاملة أخرى، وهذا الأمر طبيعي في أي بلد من بلدان العالم وإن اختلفت طرق إتمام المعاملات وطول طوابير الانتظار، لكن المحير بالأمر والصادم في نفس الوقت هو عندما يصل دورك وتلتقي وجها لوجه مع الموظفة أو الموظف الذي من المفروض أن يقوم بتسلم المستندات والأوراق المطلوب توافرها لإتمام معاملتك لتنزل عليك كلمات كالصاعقة من خلال الحوار التالي:
الموظف: أخوي معاملتك ناقصة.
المراجع المصدوم: أخوي شلون ناقصة؟! أنا جمعت كل الطلبات اللي أخذتها من موقعكم على الإنترنت.
الموظف: ليش اخوي، عندنا موقع أصلا؟
المراجع المصدوم: اللي وده يشق هدومه: أخوي واللي يرحم والديك أنا مستأذن من دوامي وعلى ما وصلت لكم بها الزحمة وها لحر إلا طالعة عيني تكفى مشيها لنا.
الموظف: عفوا أخوي وراك دور كمل أوراقك وتعال
لحظة صمت.. بعدين صوت جرس الرقم اللي بعد صاحبنا المسكين.
طبعا صاحبنا المراجع هو الغلطان لأن إهماله في مراجعة تحديث الموقع الإلكتروني للوزارة أو الهيئة كل نص ساعة، عشان يشوف شنو اللي له واللي عليه هو أمر لازم يجري في عروقه مجرى الدم عشان لا يكدر خاطر بعض الموظفين اللي تاركين ريوقهم وتلفوناتهم وحرام قاعدين يستقطعون من وقتهم وراحتهم عشان يخلصون المراجعين، مع العلم أن نفس المعاملة ممكن تنجز وإن كانت الأوراق ناقصه بشرط ان المراجع لا يأخذ رقما ولا يوقف بطابور بس هذا موضوع آخر نسولف فيه تاليا.
أقول طبعا صاحبنا المراجع لازم يخم الأكو والماكو من أوراق البيت اللي تحتاجها المعاملة واللي ما تحتاجها بما فيها الشهادات المدرسية له ولزوجته وعياله وشهادة لمن يهمه الأمر أنه خوش آدمي وانه مرته تعرف تطبخ ووثيقة البيت وشلون انبنى البيت ويخلي معاه (زبيل) فيه أوراقه الثبوتية اللي ينوقله وين ما راح.
وبما أننا الآن على أعتاب 2019 ولا زالت مهنة (العرض حلجي) قائمة الى يومنا هذا وإن اختلفت المسميات والأدوات المستخدمة، فقديما أيام الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الفائت كان كل ما يحتاجه العرض حلجي هو كرسي و(ميز) وآله كاتبة يدوية قديمة وأوراق وقلم ويسترزق الله بجلوسه خارج أسوار الدوائر الحكومية ليقوم بطباعة كتب مقدمة أو معاريض (جمع معروض) أو تعبئة نموذج طلب أو استمارة المعاملة المرفقة لمراجعين لا يعرفون القراءة والكتابة والتي من المفروض أن يقوم بها موظفون يعملون لدى الدولة. أما الآن فكل ما اختلف هو أمران، حيث استبدلت الآلة الكاتبة بكمبيوتر وأصبح داخل الدوائر الحكومية وليس خارجها.
سمعنا عن الحكومة الإلكترونية ولم يسمع بها بعض مسؤولينا، سمعنا عن الربط الإلكتروني بين وزارات الدولة كافة ولم يقتنع بها حسب ما أرى بعض مسؤولينا، لماذا لا يتم تزويد كل موظف يقوم بإنجاز معاملات للمراجعين بجهاز بصمة يقوم المراجع بتعريف بصمته من خلاله وما هي إلا لحظات حتى يظهر على شاشة الكمبيوتر الخاصة بالموظف كل الأوراق الثبوتية الأصلية الدالة على هوية المراجع ليختار منها الموظف كل المستندات المطلوبة لإنجاز المعاملة وأنا أقول كل المستندات المطلوبة لأن الربط يكون إلكترونيا كاملا بين جميع مؤسسات وهيئات الدولة ويتم تحديثها آنيا طبقا لما استجد في حالة المراجع.
وأختم مقالي هذا بمثال حي يدل على عدم الربط الإلكتروني بين وزارات الدولة، حيث إن من أراد أن يعمل توكيلا عاما وشامال إلى أحد الأشخاص ثم قام بإلغائه دون علم الموكل إليه يبقى هذا التوكيل ساريا لعدم ربط إلغائه بين دوائر الدولة ويكون الإلغاء مقتصرا على الجهة التي قامت بإصداره وعلى الموكل أن يقوم بمراجعة كل الدوائر ذات الصلة لإعلامهم بحالة الإلغاء، بل أن الموكل إليه قد يستعمل هذا التوكيل استعمالا سيئا وإلى أن يتم اكتشاف الحالة تكون الحقوق قد ضاعت وقد تنبهت البنوك إلى ذلك، حيث إنها لا تعتمد هذا التوكيل وإن كان عاما وشاملا لخوفها من إلغائه دون علم من يهمه الأمر وتطلب توكيلا خاصا بالبنك فقط.
أدام الله من سهل على المراجع، ولا أدام من يتلذذ بالتعقيد.