أذكر قبل وقت ليس بالقريب كنت أتجول في ربوع منطقة الشويخ الحرفية وبين كراجات ومحلات قطع الغيار، مستمتعا بالجو البديع في منتصف شهر يونيو، أبحث عن قطعة غيار لسيارتي (القرنبع) والتي لم تمهلني إلى آخر الشهر، لأجد نفسي واقفا عند أحد الكراجات لأسأله عن قطعة غيار مشابهة للقطعة التي أحملها بيدي وإذا بشخص آخر يتحدث مع الميكانيكي ويسأله إن كان يستطيع أن «يرهّم» بتشديد الهاء ماكينة سيارة سبورت ذات الصناعة الأميركية على سيارته اليابانية فأجابه الميكانيكي بالنفي وعند إلحاح الرجل على تلبية طلبه، استشاط الميكانيكي غضبا وقال له «يا خيو وحياة شواربك ما بترهّم».
فترك الرجل المكان متحلطما وذهب إلى كراج آخر قد يلبي طلبه، فالتفت نحوي الميكانيكي قائلا: انه احترف صفة تصليح السيارات لأكثر من عشرين سنة أمضى نصفها بالكويت، صادف فيها مثل هذا الرجل كثرا يودون ترهيم الأمور على بعضها وأنه يستطيع فعلا ولكن الأمر لن يدوم طويلا حتى تبدأ الخرابات والأعطال ويدخل الميكانيكي بمشاكل مالها أول ولا آخر حسب قوله.
تذكرت هذه الحادثة الطريفة وأنا أرى ترهيم بعض الوظائف الحكومية على تدرج مستوياتها وإسنادها لأناس لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تسند لهم متابعة الشاي والقهوة في مكتب لا يتعدى موظفوه ثلاثة أشخاص.
لقد بات واضحا وجود بعض الموظفين على أعلى المستويات وضعوا في محل اتخاذ القرارات وتراهم يتخبطون في مزاولة أعمالهم يمينا وشمالا دون إدراك لما يؤول سوء فعلهم على منظومة العمل وبالتالي على النظام العام لسير الأعمال بالدولة وهؤلاء جاءوا لمناصبهم إما لترضية فلان أو علان أو صلة قرابة أو لتمرير مصلحة ما، وعلى الرغم من أن سمعة هؤلاء السابقة في إدارتهم لشؤون مناصبهم والتي كانت مثالا للسخرية والطنازة بالسابق إلا أن الجميع يصدم بتوليتهم مناصب أكبر ليتم فيها اتخاذ قرارات أكثر أهمية مما كان بالسابق وكأنهم وضعوا نكالا بمن كان يسخر منهم، الأمر الذي ينعكس على ترتيب الوظائف التالية لمنصب وضع فيه من كان ليس بكفء له حيث انه من المعلوم أن فاقد الشيء لا يعطيه، فإنه من المستحيل أن يعين هذا الشخص كفاءات أخرى بل تراه يحاربها ويستمتع بتعيين من هم على شاكلته فيضع المهندس الزراعي في منصب مالي والمحامي في منصب فني هندسي وهلم جرا مما يؤدي للقضاء على أي بادرة للإصلاح والتقدم.
وأود أن أختم مقالي هذا مستشهدا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: إذا أسند الأمر إلى غير أهله، فانتظر الساعة».
على فكرة وأنا في طريقي إلى البيت شفت صاحبنا راعي الماكينة الأميركية ينزل ماكينة سيارته عند كراج ثان وافق يرهمها له يعني بالعربي الفصيح «لا طبنا ولا غدا الشر».
أدام الله من قدم مصلحة بلده على أنانيته ومصلحته الفردية ولا أدام من رهم الأمور على غير سنع.