كثيرة هي شخصيات عالم الكرتون التي نود أن نتقمصها لنعيشها في عالمنا الواقعي إما لهروب من الواقع أو لاعتقادنا بأن هذه الشخصية تمثلنا أو تمثل جزءا من شخصيتنا على الأقل، فتجد الشجاع منا يحب أن يكون مثل سوبر مان، والمغامر يود أن يكون كعلاء الدين والقائمة تطول، ولكن لا يوجد من يجرؤ على أن يقلد شخصيات أخرى قد تمثل فعلا جزءا من تكوينه النفسي أو حتى جزءا من سلوكه الاجتماعي كشخصية (بينوكيو) الذي كلما كذب طال أنفه تخيلوا الزحمة اللي راح تصير بالشوارع إذا صارت الخشوم أطول من المواتر.
لا أعتقد أن هناك خصلة سيئة ممقوتة تجر على صاحبها العار وتدخله إلى جميع الخصل السيئة الأخرى أكثر من الكذب، ولكن لماذا يكذب الإنسان؟ لا اجزم بمعرفتي جوابا لما طرحت ولكني شخصيا أعتقد أن هناك ثلاثة أسباب فقط تجعل الإنسان يقترف الكذب وهي: إما أن يكون الدافع للكذب هو حب الظهور والسعي لجلب الاهتمام وهذه حالة مرضية تصيب نفسية الكاذب التي قد تحتاج لعلاج نفسي.
السبب الثاني للكذب قد يكون الخوف من قول الحقيقة ومحاولة تجنب العواقب وذلك لإخفاء أخطاء أو عدم القدرة على أداء المهام الموكلة إليه التي أوهم بها مرؤوسيه (ودق لهم الصدر) بأنه قادر (واخو فلانه) حتى بات يكذب لتمرير الوقت ليجد مخارج لسوء تقديره وهذه حالة نفسية أخرى تحتاج إلى معالجة.
أما السبب أو الدافع الثالث للكذب فهو جلب منفعة وإتمام صفقة أو مصلحة وهذا النوع يبدأ بالنفاق وقد ينتهي بالتزوير.
الغريب في الأمر أن الكاذب والذي يعتقد انه اتقن كذبه غالبا ما يتم كشفه لأنه لا بد أن يملك مهارات خارقة قلما تتواجد كلها في شخص ما كالذاكرة الخرافية التي تمكنه من تذكر تفاصيل كذبه والخيال الخصب الذي يسرد من خلاله مجريات أحداث من تأليفه والقدرة على التحكم بالانفعالات الذهنية والجسدية التي تبين صدقه.
وعلى الرغم من كل هذه المهارات التي قد يمتلكها، إلا أن هناك أمورا لا يستطيع أن يخفيها لعدم قدرته على التحكم بها ومنها أن يتجنب أي اتصال مباشر بالعينين مع الشخص الآخر، ويستخدم اقل عدد من الكلمات ودائما ما يقوم الكاذب بلمس أذنيه أو عينه أو أنفه دليلا لا إراديا على انفعاله وتوتره أو قد يقوم الكاذب بالثورة ليقلب الطاولة على الآخرين ويشكك بأقوالهم حتى يصرف النظر عن كذبه.
المضحك بالأمر أن أغلبنا أصبحت لديه مناعة من الكذب لدرجة أننا بتنا نعرف الكاذب حال جلوسه وليس حال تكلمه، فالخبرات المتراكمة من التعامل مع أصناف البشر التي ساقتها الأقدار في دروبنا جعلتنا (متقرنسين) أي أصحاب خبرة في اصطياد الكاذبين، وليكن معلوما لديهم أننا نعلم كذبهم علما يقينا.
أدام الله من رفع نفسه عن الخطأ ما استطاع، ولا أدام من عاش ليكذب.