ما أن ننتهي من شبهة خبيثة تطرح في بعض الصحف أو الفضائيات، ولا من فتوى غريبة عجيبة تنقض إجماع العلماء، وتصادم نصوص الوحي، وتنافي المقاصد الشرعية إلا وتأتينا أخرى أشد منها وأنكى، وفي هذا أستذكر شطرا من حديث نبينا صلى الله عليه وسلم «إن عافية هذه الأمة في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وفتن، يرقق بعضها بعضا، تجيء الفتنة، فيقول المؤمن هذه مهلكتي، ثم تنكشف، ثم تجيء فيقول هذه هذه، ثم تجيء فيقول هذه هذه، ثم تنكشف»، فمن هذه الفتاوى النشاز التي ابتلينا بها أن البعض لعله رأى أن في ظل الإنسان شيئا معيبا فنفى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صفته البشرية تلك، وزعم ألا ظل له، والله تعالى يقول على لسانه نبيه (قل إنما أنا بشر مثلكم)، ولا عجب فلعل إمامه وقدوته في ذلك الشاعر البصيري الصوفي صاحب القصيدة المشهورة البردة، والذي قال في أحد أبياته يمدح رسولنا صلى الله عليه وسلم، بل يغلو فيه ويوصله إلى مرتبة الربوبية، فيقول «فإن من جودك الدنيا وضرتها.. ومن علومك علم اللوح والقلم»، فإذا اللوح والقلم من بعض علوم النبي صلى الله عليه وسلم كما يزعم إذن فماذا بقي لله؟ تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
وآخر صرعات هذه الفتاوى الجديدة التي عجزت حتى الآن عن أن أعرف ثمرتها وفائدتها للمسلمين، فبعضهم ظن أن القول بكفر والدي النبي صلى الله عليه وسلم منقصة في حقه صلى الله عليه وسلم، وتقليلا من مقداره وفضله، فضعف الأحاديث الصحاح وذهب يلهث خلف تخاريف بعض الصوفية والأحاديث الضعاف في سبيل إثبات أن الله أحيا والدي النبي صلى الله عليه وسلم فأسلما، سبحان الله؟ وما أدري هل كفر آزر والد سيدنا إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء يضر في منزلته عند الله، وهل كفر ابن سيدنا نوح عليه السلام يقلل من شأنه ويضعف من حجته، ثم ماذا نصنع بما رواه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي»
الذين خاضوا في هذه الأمور وخلقوا التشويش في دين العامة من الناس لا أظنهم فقهوا قول نبينا صلى الله عليه وسلم «من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه»، فرضا الله لا ينال بالنسب وإنما بالتقوى والإيمان، فبلال الحبشي خير من أبي لهب الهاشمي، وسلمان الفارسي خير من أبي جهل المخزومي القرشي، (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، وهذا مما يدل على عدل الله في عباده وأنه لا يظلمهم، ولا يؤاخذهم بما كسب أباؤهم، (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، ويكفينا ما ورد في الصحيحين حين أنزل الله عز وجل (وأنذر عشيرتك الأقربين) قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال «يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبدالمطلب لا أغني عنك من الله شيئا، ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا، ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئا».
أخيرا، كلنا يدعي حب الله وحب رسوله، «وكل يدعي وصلا بليلى.. وليلى لا تقر لهم بذاك»، والله فرض علينا اختبارا وامتحانا، ليكشف الصادق ويفضح الكاذب، فقال سبحانه (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)، ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد، فقولوا عبدالله ورسوله» رواه البخاري.
[email protected]