ضاري المطيري
مشروع تخرجي كان تحت عنوان gearbox with two inputs & one output بعبارة أخرى صندوق من مجموعة تروس متصلة مع بعضها بطريقة معينة بمدخلين ومخرج واحد، واخترت هذا المشروع لعلاقته الوثيقة بتخصصي وهو الهندسة الميكانيكية، وكان المشروع يندرج تحت مادة إلزامية اسمها «مشروع هندسي» والذي انقسم فيه الطلاب إلى مجاميع يتوقف عدد المجموعة الواحدة على مدى صعوبة وحجم المشروع المختار، ولحسن الحظ أني شكلت مع زميلي م. ماجد المطيري «عبقرينو» مجموعة خاصة بنا تتكون منا نحن الاثنين فقط لا أكثر ليعلم أستاذ المقرر بمدى جديتنا في العمل، وذلك بالطبع من أجل نيل درجة a أولا وأخيرا، بينما زملاؤنا الآخرون بالفطرة التي جبل عليها أهل الكويت المحافظون ودون وازع خارجي انقسموا إلى مجموعتين، مجموعة من 4 طالبات، ومجموعة أخرى من 5 طلاب، يعني بالعربي ماكو اختلاط، ومن باب ذكر الحقيقة كاملة فقد كانت هناك مجموعة رابعة من طالب وطالبة وانتهى المطاف بهما سريعا إلى الانسحاب وإلغاء المادة، وتتمة لما سبق فقد كان مشروع الطالبات عبارة عن صناعة غواصة تستطيع نزول قاع جون الكويت، وأما مشروع الطلاب فهو عبارة عن آلة قياس لمتانة المعادن بعدة طرق في جهاز واحد، والحمد لله أن لاقى كل منا نصيبه من الاجتهاد، وهي ذكريات لا تنسى أبدا.
وفي صيف 2003 عرضت مشروع تخرجي في معرض كلية الهندسة والبترول الفصلي والذي حضره مدير الجامعة وكبار شخصيات الأسرة الجامعية، المثير في الموضوع أني كنت وزميلي ماجد نجد المشقة الكبيرة في شرح مشروعنا ومنتجنا للزوار خصوصا من هم خارج الكلية، فمشروعنا بالتحديد لا يستفيد منه سوى طلبة الهندسة الميكانيكية في مختبرات التجارب العملية، ومنتجنا ما هو إلا وسيلة شرح وتعليم للطلبة في مقررات دراستهم، لكننا كنا نفرح كثيرا جدا حينما يمر علينا مهندس أو طالب متوقع تخرجه ليسألنا ويتعجب من قدرتنا على تصميم التروس وكيف تغلبنا على الاهتزازات التي تطرأ عادة على عمل التروس، والأجمل في ذلك حين يطلعون على أهداف المشروع التي حرصنا على تحقيقها، بينما الآخرون يرون مشروعنا مجرد تروس تدور حول نفسها بواسطة مولد كهربائي لا أكثر ولا أقل، والشاطر فيهم والمسكت واللي مسوي نفسه فاهم اللي يقول “ما شاء الله شلون صنعتم التروس والتي تعتبر أصعب أجزاء المشروع؟”، وللعلم نحن صممنا التروس ولم نصنعها إنما صنعها فنيو ورشة الجامعة، لذلك كنت دائما أستذكر عبارة لزميلي وأواسيه مازحا «لا يعرف الفضل إلا أهله» حقا فلا يعرف حقيقة المنتج الميكانيكي المبتكر سوى أهل الميكانيكا أنفسهم.
أما علاقة مشروعي الهندسي بفتوى المديونيات فهي تتلخص في العبارة السابقة «لا يعرف الفضل إلا أهله»، فقد سألت د. محمد الطبطبائي قبل أيام حول فتواه في تحريم شراء الدولة لمديونيات المواطنين والتي شن فيها بعض الجهال حملة شعواء ومغرضة عليه، ووصفوا فتواه بالمسيسة، فقلت له متسائلا هل أنكر عليك أحد أهل العلم هذه الفتوى؟ فقال: لا، فقلت له حينها «سبحان الله صحيح قول من قال لا يعرف الفضل إلا أهله»، يا دكتور الفتوى بضاعة لا يعرفها إلا أهلها، وقد علم أهل العلم أن فتواك موافقة لأصول الدين والفقه فأقروك عليها، فالربا حرام بصريح القرآن لا مرية فيه قال تعالى (وأحل الله البيع وحرم الربا)، والذهب لا يعرف حقيقه من مزيفه إلا الصائغ، أما عوام الناس فعندهم كل ما هو لامع ذهب، ولذا يشتبه على كثير من الجهال التفريق بين الذهب والنحاس، نعم لا يعرف الفضل إلا أهله، فالتحفة الفنية يراها صاحبها نحتا جميلا وصورة رائعة بينما يراها الغير مجرد قطعة خشبية لا راحت ولا جت.
ففي الحديث الذي دار بيني وبين د. الطبطبائي أكد لي فيه أنه أفتى نتيجة إجابة المسؤولين عن سؤاله وهو هل سيتضمن شراء الدولة للمديوينات شراء الفوائد الربوية؟ فأجابوه بنعم، فقال: إذن هي حرام، وخاصة إذا علمنا أن المستفيد الأول سيكون أصحاب البنوك التي بنت مشاريعها ومخططاتها المستقبلية على إرجاع المواطن لما اقترض مع الزيادة الربوية، ومؤكد أن البنوك لن تتنازل إطلاقا عن القروض دون فوائد وهذا ما يؤكده المسؤولون.
ومن قراءتي لكثير من تعليقات النت وبعض النقاشات التي تطرح في الدواوين والمنتديات رأيت أن الغالبية غير مدركة لحقيقة طريقة إسقاط القروض المطلوبة والممكنة، كما لا يعلمون حقيقة فتوى د.الطبطبائي، ولا أدل على ذلك من قول بعضهم «رئيس اللجنة المالية أحمد باقر حرف فتوى عميد كلية الشريعة د. محمد الطبطبائي الخاصة بهذا الأمر»، بل وادعوا أنه وجه السؤال إليه بطريقة مغلوطة لتأتي الفتوى منسجمة مع رأيه الرافض لإسقاط الديون، لذلك فأمثال هؤلاء المجادلين لا أجد لهم ردا أظرف وأحسن وأنجع من رد أحد المعلقين على مواقع الإنترنت يقول فيه عن فتوى الطبطبائي «هذا مو تصريح هذا رأي شرعي، يبون يأخذون فيه كان بها، ما يبون كل واحد وذنبه على جنبه».