قال لي صاحبي: أرأيت صاحب الدشداشة القصيرة؟ أرأيت لحيته؟ أرأيت حماسه؟ أرأيت.. أرأيت..؟! فقلت له: سألتني عن جميع المظاهر الخارجية، ولم تسأل عن محاضرته العلمية المتميزة، دققت على كل زلة أو خطأ، ولم تسأل عن إنجازاته الوطنية، فسكت غير مقتنع.
وفي مكان آخر، قال صاحب آخر: أرأيت هذا الأملط؟ أرأيت ميوعته؟ أرأيت شورته؟ أرأيت.. أرأيت..؟! فقلت له: سألتني عن جميع المظاهر الخارجية، ولم تسأل عن كلامه العلمي الرائع، دققت على كل كلمة وحركة، ولم تسأل عن إنجازاته المجتمعية، فسكت غير مقتنع.
فعلا مشكلة كبيرة عندما نركز على الشكليات وننسى الأصل، ومشكلة أكبر عندما نتعامل مع الناس على أساس أشكالهم لا أفعالهم، فهذه المشكلة ـ مثلا ـ تجدها لدى بعض البيض الذين لا يرون غيرهم أهلا للإدارة، ولدى الغرب الذين لا يرون غيرهم مؤهلا للقيادة، ولدى بعض المتدينين الذين لا يرون غيرهم ملتزما، ولدى بعض الليبراليين الذين لا يرون غيرهم فاهما، وهكذا.. فنحن نتعامل مع أفكار وخيالات، لا مع سلوك وممارسات.
أذكر في السبعينيات مغنيا يونانيا اسمه ديميس روسوس، كان ملتحيا، ويلبس في حفلاته ثوبا قصيرا، فلم نجد من يسخر منه، وفي السنوات الأخيرة انتشرت اللحية الكثيفة بين اللاعبين والفنانين كموضة جديدة، فما أحلى ذلك المنظر على قلوب كارهي اللحية!
هذا يؤكد ما في النفس من شيء ما تجاه الآخر دون موضوعية ولا مصداقية، قد يكون بسبب التربية، أو التنشئة الاجتماعية، أو التعليم، أو الأصدقاء، أو الإعلام، أو موقف ما، أو مصلحة ما، أو.. أو.. أو غير ذلك. والخوف كل الخوف أن يتطور مع الزمن إلى كراهية وحقد، تعمى معه العيون عن الحق، ويصيبها الحول تجاه الباطل، وهذا لعمري هو الكبر.
صحيح أن المثل يقول «كل على ما تشتهي، والبس على ما يشتهي الناس»، وينبغي على الفرد أن يراعي ذلك، رجلا كان أو امرأة، لكن علينا أيضا أن نتعامل مع الناس على أساس عقولهم وإنتاجهم، وعلى أنهم جزء من هذا المجتمع، ولديهم إمكانات يمكن الاستفادة منها في خدمة المجتمع والوطن.
ومع تآكل هذه الأفكار في الألفية الثالثة، وأننا تجاوزنا هذه المرحلة، إلا أننا نجد من يحاول إعادتها للحياة، وقد ينعكس ذلك على القرارات المؤسسية، فيتعامل مع المراجعين على أساس أشكالهم ولبسهم وانتماءاتهم، رغم أن الأصل هو التعايش والتعاون، لا البحث عن المثالب، وفي الفم ماء.
أتمنى من الجيل الحالي أن يقف أمام هذه العودة إلى الوراء، وأن يكون الأصل في التقييم والتعامل هو العمل والعطاء والولاء، وأن نسعى نحو الوحدة الوطنية بشكل حقيقي لا قولي، والانتماء لهذا الوطن لا إلى أي رمز آخر.
***
تطورت أشكال الشنب عبر الزمن، من خفيف إلى سميك إلى رفيع إلى هتلر إلى غليظ.. إلخ، والصور خلال 50 سنة تبين ذلك، والظاهرة الأخيرة لدى الستينيين هي حلق الشنب بالكامل لإخفاء الشيب من جانب، وللظهور بمظهر الأصغر سنا عندما يرى نفسه في المرآة.
يقول أحد الأطباء: الظاهرة الجديدة هي توجه بعض الشباب إلى عيادات الجلدية الخاصة، وطلب نزع شعر الشنب بالليزر إزالة نهائية ليصبح أملط، حتى يخال لك أنك ترى فتاة! لأجل نيل إعجاب الفتيات! انقلبت المفاهيم!