أذكر عندما كنا صغارا في الستينيات، كان والدي حفظه الله ينزلنا أمام بوابة جمعية الإصلاح المقابلة لمنطقة حولي في العطلة الصيفية، لتلقي دروس القرآن الكريم وبعض البرامج الترويحية فيها، ونشأنا على حب أفراد هذه الجمعية الذين لم أسمع منهم سوى الأمور التربوية والدينية، سواء في المساجد أو الرحلات، ولم أسمع منهم في يوم قط أي رغبة في السلطة أو تطاول على الحكومة، سوى ما يتداول من نقد عام في كل مكان، ولم يسفهوا عالما أو جماعة، وكانت الكلمة الدائمة لهم أنهم جميعا يعملون من أجل الدعوة والدين، وكل له اجتهاده وطريقته.
واحتضنت الجمعية عبر أفرعها ومناطقها ومساجدها خلال تلك السنوات عشرات الآلاف من الناشئة والشباب، في ذروة الانفتاح الثقافي والفكري على مصراعيه بإدارة متقنة من الليبراليين آنذاك، الذين سيطروا على الإذاعة والتلفزيون والصحافة، بدعم من بعض أصحاب السلطة وبعض الأثرياء، ولولا الله ثم مشرفو الجمعية لرأيت الشباب الكويتي كله مع قائمة حارقي العباءة، وفارضي الاختلاط في الجامعة، واستمرار الكحوليات في الخطوط الكويتية، وبقاء مكنزي والبينغو، وانتشار حفلات الغناء والرقص المختلطة ليلة الجمعة المباركة، والسخرية من المشايخ، ولا ننسى العيدروسي وملا مصلح و.. و.. وغيرها.
نعم.. فقد حموهم من الانحراف في فترة المراهقة، والاندفاع في فترة الشباب، بنين وبنات، وكل من مر عليهم ولو لأشهر لن ينسى تلك الأيام الجميلة التي قضاها معهم بكل محبة وأخوة. تلك الفترة التي انتشرت فيها خطب الشيخ طايس الجميلي حفظه الله، ودروس المشايخ حسن طنون وحسن أيوب رحمهما الله، وغيرهم كثير.
أما الأناشيد الإسلامية فقد تعرف عليها العالم الإسلامي من خلال جمعية الإصلاح، التي كان لها الاطلاقة الأولى، وأصبح شبابها رواد الإنشاد على مستوى العالم.
كما نظمت الإصلاح عشرات الملتقيات الثقافية على مدار العام، استوعبت فيها عشرات الشخصيات من داخل وخارج الكويت، من مختلف الأطياف والجنسيات، وأسست معرض الكتاب الإسلامي قرابة نصف قرن، فساهمت في نشر الثقافة والفكر الوسطي.
وللأسف تعرضت الجمعية في فترات مختلفة لمضايقات متنوعة، بسبب فتن أشعلها البعض بين الحين والآخر، ومازالوا، وعانت من اجل الحصول على مواقع لتنفيذ أنشطتها، فاضطرت لجان النشء على مدى عدة سنوات لاستئجار مدارس خاصة في الصيف لعدم منحها وزارة التربية مدارسها المغلقة صيفا، وسحب مقر اللجنة النسائية في الشامية، ما ضيق على أنشطتهم الكثيرة على مستوى الكويت، والخاسر الوحيد هم أبناؤنا الشباب.
لقد حصلت جمعية الإصلاح على عشرات الجوائز الدولية باسم الكويت، وتم تكريمها من قبل ملك البحرين وحاكم دبي وأمير الرياض، ورؤساء عدة دول آسيوية وأفريقية، وحققت 17 هدفا من أهداف «التنمية المستدامة» الموقعة من الأمم المتحدة، وهذا بحق إنجاز دولي كبير.
ولا نغفل دور الجمعيات الأخرى في ذلك، وأبرزها جمعية إحياء التراث الإسلامي في الجوانب التربوية والدعوية والإنسانية، وباقي الجمعيات في المجال الخيري.
ويبدو أن الجمعية استسلمت للقيود الرسمية من تضييق على مناشطها التربوية، فخفت وجودها على مستوى المناطق والمساجد، فبعد أن كانت الأنشطة الشبابية والصحب والنشء على مستوى المناطق، أضحت على مستوى المحافظات، وانحسر دعم المؤسسات الاقتصادية لأنشطتها، وخفت معرض الكتاب، وتقلصت الأسابيع الثقافية، فمتى تعود جمعية الإصلاح إلى سابق عهدها، لتكمل مسيرتها في حفظ الشباب والفتيات وتوعية المجتمع؟