وها نحن قاب قوسين أو أدنى من انحسار الوباء الذي اجتاح العالم لما يقارب 15 شهرا.
منذ تلك الفترة والعالم يتخبط ودخل دوامة لا متناهية من المشاكل والأزمات غير المتوقعة، فكانت أشبه باختبار لقياس مدى انضباط الشعوب ووعيهم الذاتي تجاه مجتمعهم ومن حولهم.
ففي الحروب مثلا قد تخسر المعركة بسبب عدم تنظيم جنودك، ولكن في أزمة كورونا وجدنا شيئا وهو تشتيت الصف أدى إلى وحدة بالبداية.. حيث ان جائحة كورونا لمت شمل الدولة وعززت التلاحم بين مؤسساتها ولكن ما إن وصلنا إلى منحى معين ضاعت تلك الوحدة وعادت حليمة لعادتها القديمة.
في دولتي وهي الكويت لم نكن نتوقع تلك الأزمة على الإطلاق، وسأحاول بقدر المستطاع أن أتّبع الموضوعية قدر المستطاع وأن أشرح الموضوع وأسجل رسالة في سجل التاريخ.
بدأنا بسماع الإنذار الأول في أواخر شهر فبراير لسنة 2020، حيث كان متزامنا مع العيد الوطني الكويتي، ومثلما هو متعارف عليه في تلك الفترة يكثر السفر إلى كل أرجاء العالم، ولكن العالم لم يكن يتوقع ما هو ليس متوقعا إلى أن جاء شهر مارس، ومن هنا بدأت القصة وانتشر الوباء وعلق الكثير من الكويتيين في مطارات الخارج، وأعلنت دول كثيرة رسميا عن تزايد عدد الحالات وعجزها عن مواجهة الوباء، إلى أن أصبحنا نسمع لأول مرة بقانون قد كتب ولا ينفذ بالدول إلا مرة أو مرتين بكل قرن، وأحيانا مرة في حياة الدول وهو قانون «الحظر»، حيث بدأ بشكل جزئي وانتهى بشكل كلي.. وأصبحت المجتمعات والأسواق المركزية والشوارع كأنها مهجورة، وذلك كله لأجل شيء واحد وهو الحفاظ على المنظومة الصحية من الهلاك والسعي لاستغلال الطاقة التشغيلية للمستشفيات بطريقة حكيمة وحصيفة.. وقد ضحى كل شيء في الدولة لأجل الدولة، حيث تنازل الشعب عن أسلوب حياته وتنازل التاجر عن نصيبه وتنازلت الصفوف الأمامية عن وقتها، وأخيرا في سابقة تاريخية تنازلت الدولة للشعب تنازلا ملحوظا، حيث أعطت موظفيها رواتب من غير مقابل، وسعت للحفاظ على الأمن الغذائي، كما أرسلت طائراتها لكي تجلب رعاياها من كافة بقاع العالم نتيجة لذلك.
وبعد أشهر قليلة انقلبت موازين الأمور وأصبحت التضحيات مكلفة لمن لا يستطيع الصمود، ورأينا صورها على الاقتصاد وعلى اقتصاد الفرد، وما الاقتصاد إلا عملية لتحريك الأموال بين الأفراد والشركات، فإن اهتز أي من تلك أطراف المعادلة تغيرت المعادلة بأكملها، ومن هنا وصلنا إلى منحنى جديد في تلك الأمة حيث أصبح العالم وأصبحنا أمام خيارين لا ثالث لهما، وهما: حياة الناس وأرزاق الناس، وأصبح كل فريق يرجح كفة على الكفة الأخرى، وباللهجة الكويتية «كل يقرب النار صوب قرصه» فأصحاب القرار الذين ليس لديهم أعمال تجارية رجحوا كفة حياة الناس، ومن لديهم أعمال ومصالح اقتصادية رجحوا الكفة الأخرى، وفي الأخير رجحت كفة حياة الناس على أختها، وفي سابقة تاريخية أخرى خرج الصف الآخر بمبادرة لإنشاء صندوق كورونا الممول من الشعب وذلك بسبب إحساس الطرف الآخر بمعاناة من تأثروا بعدم ترجيح كفتهم جراء هذه الجائحة، وساهمت الدولة من جانبها بسابقة أخرى وهي تأجيل الأقساط الائتمانية للأفراد، وذلك في إطار حماية الاقتصاد ورفاهية شعبها، وما شاهدناه بالطبع هو نمط واحد رأيناه بشكل واضح وهو أن القرار في الدولة يحتاج لقرارين وليس واحدا، بمعنى الدولة تحتاج أن تقرر قرارا خاطئا ومن ثم تصححه، وهذا يقلل الإنتاجية إلى النصف ويدل أنه ليس هنالك آلية واضحة في اتخاذ القرار وشتان ما بين الفعل وردة الفعل.
وفي الثلث الأخير من تلك الأزمة وفي منحى لم يحدث في العالم أن تتحور الأزمة إلى تحورها الأخير، وهو أن تتحول من أزمة صحية إلى اقتصادية وسياسية، حيث كانت الورقة الذهبية في الحل، وأحيانا التهرب من المساءلة السياسية، فتلاقت كفة حياة الناس مع الطرف الآخر وأصبحت حجة رسمية.
ودمتم سالمين وحفظ الله الكويت من كل مكروه.
الملخص: نحن ناجحون في الحلول المالية التي تخدم رعايانا ولكننا لسنا بناجحين في إدارة رعايانا.