عندما نسمع أحدا ما يتلفظ بكلمة «سياسة» يتبادر إلى أذهننا العديد من الكلمات كالسلطة أو النفوذ أو حتى الفساد، وفعلا السياسة قد تحتوي على تلك المترادفات ولكنها لا تمثل الصورة الكبرى لها وذلك لعدة أسباب، ومنها أن السياسيين أنفسهم هم من لوثوا مصطلح السياسة بممارساتهم الخاطئة التي جعلت المتلقي أو بالأحرى الشعوب تنفر وتكره وتنبذ تلك الكلمة وكل شخص يعمل في إطارها.
السياسي هو الشخص الذي له قدرة على التأثير في القرار السياسي حيث إنه يستطيع أن يوجه الموقف في منحنى يخدم مصالح من يمثلهم أو حتى في بعض الأحيان مصالحه الشخصية، فإذا قام بخدمة الموالين له زاده نبله، وإن تصرف بأنانية كثر نفاقه، لأنه سيدفع القرار باتجاه يجعله هو فقط من يستفيد من هذا الوضع دون أية مبالاة بمصلحة ومنفعة الآخرين حوله.
وعندما نحاول أن نلقي المجهر على سلوكيات السياسيين في المجتمع سنجد أن هنالك فئة قليلة منهم هي فقط المؤهلة والجديرة بممارسة النشاط السياسي، وهذا يرجع لأسباب عديدة: أولها هو أن السياسي لا يؤهل نفسه قبل أن يدخل غمار المعترك السياسي، وهنا لا أقصد أن يذهب للمناسبات الاجتماعية لكي تكون له قاعدة سياسية، بل مفهوم التهيئة السياسية مفهوم كبير لا نستطيع أن نحصره بمقال واحد، ولكن أستطيع القول إن السياسي يجب أن يكون ملما ومطلعا على العديد من الجوانب الحياتية والفكرية والمهاراتية، وكما ذكرت في مقال سابق لي أنه عندما يفوز عضو بمقعد في الكونغرس الأميركي أو حتى لدى مجلس اللوردات البريطاني، يجب عليه خوض دورات متخصصة في مهارة الإلقاء والعمل البرلماني لكي يتم قبول عضويته في كلا المجلسين.
وعندما نسقط هذا على واقعنا نجد أن العديد من أصحاب الرأي من ذوي المؤهلات العالية والمتخرجين من أرقى الجامعات ينفرون من الدخول للمعترك السياسي، وإن كانت المسؤولية الوطنية تحثهم على أن يدخلوا هذا المعترك وأن يشاركوا برأيهم السديد والحصيف، ولكن يعزى هذا النفور نظرا لتلوث الساحة السياسية بسياسيين لم يكتمل نضوجهم السياسي، إلى حد أنهم لا يفرقون ما بين النقد والتجريح وما بين الهدم والبناء، وأن الاختلاف في وجهات النظر لا يعني التجريح الشخصي بل هو نقاش في عالم الأفكار وليس أحاسيس حقد وضغينة في عالم المشاعر، فهنا تتشكل لنا شخصية السياسي النبيل المفكر والتي نفتقر إليها بكل أسف في وقتنا الحاضر.
ودمتم سالمين.
[email protected]