فارس السبيعي
أغرب ظاهرة متأصلة في أداء وزارات الدولة هي إصدار القرارات غير المدروسة، والتي يتم تنفيذها بتعجل، مما ينتج عن ذلك أخطاء نتائجها كبيرة يصعب بعد ذلك حلها إن لم يكن مستحيلا، فبالأمس القريب قامت بلدية الكويت «عافاها الله» بعد سباتها العميق بتحريك جرافاتها بهدف إزالة التعديات على أملاك الدولة، وكلمة التعديات كلمة مؤلمة ومؤذية، سواء كانت على الفرد أو على الدولة، وهي لا تجوز ولا يؤيدها كل منصف.
كان المواطنون ينتظرون بعد صدور القرار بإزالة التعديات على أملاك الدولة أن تبدأ البلدية من رأس الهرم لا من أسفله كما حدث وللأسف الشديد! لأنه إذا قام الكبار بالامتثال للأمر تحرك الصغار طواعية له،لأن التأثر بالموقف أبلغ بكثير من التأثر بالكلام وهذا المفهوم غائب عن الكثير أفرادا ومسؤولين إلا من رحم الله، وقد أدركته أم سلمة زوج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عندما أصدر النبي قرارا تاريخيا في صلح الحديبية بالموافقة على شروطه والتي منها تأجيل العمرة إلى العام القادم مع أن الصحابة كانوا في ملابس الإحرام وقطعوا مسافة 400 كيلو متر في عدة أيام، بمعنى أن المهمة لم تنجز! فأمر النبي - احتراما لبنود الاتفاق مع قريش - أن يقوم الصحابة بنحر فدياهم، إلا أن الصحابة تمنعوا على أمل أن يعدل الرسول عن قراره ويكمل أداء العمرة، ذلك الهدف التي جاءوا من أجله، فحزن النبي الكريم عن امتناع الصحابة لأمره ودخل خيمته مغموما، فأشارت عليه زوجته ألا يكلم أحدا ويقوم بنحر فديه لأنها أدركت أن امتناع الصحابة ليس عصيانا وإنما طمعا بإكمال سير الرحلة إلى بيت الله الحرام، وعندما نحر الرسول فديه قام الصحابة بتقليده ونحروا فدياهم.
ما حصل من لجنة إزالة التعديات هو توجهها إلى المناطق السكنية التي تنحصر تجاوزاتهم في غرفة سائق ليس لها مكان في مخطط البيت الإسكاني والذي تقل مساحته عن 250 مترا مربعا ولا يمكن بأي حال أن يدخل السائق مع العائلة الكويتية في البيت أو ملحقاته! كما أن الحاجة هي التي اضطرت العوائل لجلب السوّاق أو سياج حديدي لحماية الحدائق من سرقات بعض البنغال، كما أن الهيئة العامة للإسكان لم تضع من ضمن المخطط الإسكاني للبيوت غرفة للسائق في أي مشروع من مشاريعها.
كان المواطنون ينتظرون أن تقوم اللجنة بالتوجه إلى المخالفات الجسيمة التي يحلب أصحابها الدولة حلبا وقاموا بالتعدي على أملاكها جهارا نهارا غير مكترثين بجرافات البلدية، لأن أسنانها سوف تتكسر قبل أن تصل إلى أصغر مخالف من هؤلاء المتنفذين! وأما كون اتخاذ القرار دون دراسة يعد ظاهرة غريبة فهو لكون الأثر الناتج عن القرار غير المدروس له عواقب وخيمة، وربما يحدث أمورا جديدة يصعب حلها، فبعد أن تحركت الجرافات لهدم غرف الخدم قام بعض المواطنين «المتضررين» ببناء دواوين كبيرة تحتوي على منافع صحية وغرفة للخدم كما يفعل البعض ممن يعتبرون قدوة لكنهم في الحقيقة من المستغلين الصامتين الذين صمتوا على تحرك جرافات البلدية مقابل ألا تقترب من تجاوزاتهم! ومن الأمور أيضا التي نتجت عن قرار البلدية غير المدروس أن قام البعض بعمل سلم حديدي ظاهري لكي يستغله السائق والخادم بالذهاب إلى غرفته التي استقطعها المواطن من غرف أبنائه التي أشبه ما تكون بعلب السردين! والبعض الآخر قام ببناء غرفة من الكيربي فوق سطح الديوانية فأصبح منظرها نشازا!
القرار الصحيح يحتاج إلى قادة لديهم القدرة على صنعه وتوقع آثاره، فيا بلدية الكويت، لو قمتم بالموافقة للمواطنين ببناء خدمات فوق أسطح منازلهم بحيث تزاد نسبة البناء إلى 1400 متر مربع كحد أعلى بحيث يستغني المواطن عن ممتلكات الحكومة، عندها ستختفي كل مظاهر الكيربي والتعديات الضرورية ولا يبقى سوى تعديات «الهوامير»!
آخر رمسة:
من قواعد إنكار المنكر الا يجر هذا الإنكار إلى منكر أكبر منه، وأقول للجنة إزالة التعديات إن القرار بإزالة تعديات المواطنين في المناطق السكنية سيبرز ظاهرة جديدة وهي كثرة الدواوين، والتي سنها أعضاء مجلس الأمة المحترمون فإذا لم تبدأوا بهم فسيقلدهم العامة! فمزيد من الدراسة للقرار قبل أن تستفحل الظاهرة ثم يصعب حلها.