بقلم: د.فاطمة عمر نصيف
لقد أصبحت المرأة المسلمة هدفا للتيارات الفكرية الهدامة التي تريد أن تشككها في دينها وقيمها ومبادئها، وهدفا لأعداء الإسلام لتغيير دينها لأن تغيير دينها وإخراجها من عقيدتها معناه إخراج الأجيال المسلمة من دينها أيضا. إن الإسلام (دين الله) هو الدين الوحيد الذي اهتم بالمرأة واكرمها وانصفها وبوأها مكانتها وأعلى من قدرها ورفع من شأنها، فوضع لها ميثاقا عالميا يحفظ لها حقوقها، ضاربا بالتقاليد القبلية والأعراف الجاهلية عرض الحائط.
أما ما تعانيه المرأة المسلمة اليوم فإنه نتيجة بعد المسلمين عن دينهم وإعراضهم عن ميثاق ربهم رجالا ونساء.
إن القوانين الخاصة بالمرأة عبر القرون الطويلة في الحضارات والمجتمعات القديمة كانت تتسم في أغلب الأحيان بعدم الاعتدال، فحُرمت المرأة من حقها في الحياة الاجتماعية، ومُنعت من إبداء الرأي، إلى أن جاء الإسلام دين الله الخالد لينقذها مما هي فيه من مهانة وظلم ليصحح المفاهيم وليضع ميزان الحق لكرامة المرأة، فوضع ميثاقا عالميا لحقوقها معلنا ومقررا إنسانيتها بنصوص ثابتة واضحة لا تحتمل الشك ولا التحريف، ومشرعا كل ما يضمن لها حياة كريمة مكفولة النفقة من الولادة إلى الممات، وهو ما تفتقده المرأة في كثير من الأمم والشعوب التي تدعي الحضارة والمدنية اليوم، والتي تعلن ميثاق حماية حقوق الإنسان.
من أجل ذلك، عملت د.فاطمة عمر نصيف من خلال كتيبها «ملخص حقوق المرأة وواجباتها في ضوء الكتاب والسنة»، الذي تنشره «الأنباء» في 3 حلقات، على أن توضح للمرأة المسلمة المنحة الإلهية العظيمة التي نالتها في ظل الشريعة الإسلامية والميثاق الرباني العظيم.تناولنا في الحلقتين السابقتين ثلاثة بنود حول حقوق المرأة المدنية والاجتماعية وحقوقها المالية وكذلك حقوقها الدينية.
نتطرق خلال هذه السطور إلى البند الأخير وهو حقوق المرأة السياسية.
البند الرابع: الحقوق السياسية
يقدر الاسلام اثر المرأة المسلمة في الحياة السياسية للأمة لذا فإنه اولاها عناية ورعاية واعطاها من الحقوق ما يحفظ لها مكانتها المحترمة مقدرا لها مواقفها المشرفة ومن تلك الحقوق:
٭ حق الشورى:
وهو من الاسس الاصلية في المجتمع الاسلامي، قال تعالى: (وأمرهم شورى بينهم) (الشورى: 38).
ولما كانت امور المسلمين كلها قائمة على الشورى كان الرسول صلى الله عليه وسلم يشاورهم نساء ورجالا، وابلغ دليل على ذلك ما حدث في صلح الحديبية عندما شاور الرسول صلى الله عليه وسلم ام سلمة وكان لرأيها الصائب اثره الجليل، وقصة ذلك ان اصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم تذمروا حين بلغهم نص الصلح ظنا منهم بخس المسلمين حقهم، واستفحل الامر الى حد كاد ينذر بالخطر فعندما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عقد الصلح قال لاصحابه: (قوموا فانحروا ثم احلقوا فلم يقم منهم احد حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم احد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل على أم سلمة، وذكر لها ما لقي من الناس وما كان من مخالفتهم لأمره، فقالت له يا نبي الله اتحب ذلك؟ اخرج ثم لا تكلم احدا منهم حتى تنحر بدنتك وتدعو حالقك فيحلقك، اصغى المصطفى صلى الله عليه وسلم الى مشورتها واخذ برأيها وخرج فلم يكلم احدا منهم كلمة، حتى نحر وحلق فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما)جمع الفوائد. وهكذا انقذت ام سلمة بحكمتها ورأيها المسلمين من خطر عظيم وفتنة كاد الشيطان ان يشعلها بين المسلمين.
٭ حق إبداء الرأي:
لقد تعلم المسلم في ظل الشريعة الاسلامية ذكرا كان ام انثى ان يدلي برأيه اذا وضح له وجه الحق في امر ما وانطلاقا من مبدأ الشورى والعمل به شجع الاسلام المسلمين رجالا ونساء على ابداء آرائهم والاعلان عنها دون خوف او وجل. ولم يختص بهذه المهمة فئة دون اخرى او جنسا دون آخر فكانت المرأة المسلمة تبدي الرأي وتسدي النصح كالذي حدث في صلح الحديبية من ام سلمة وفي قصة خولة بنت ثعلبة في سورة المجادلة وفي موقف بريرة من الرسول صلى الله عليه وسلم في قصتها مع زوجها مغيث والامثلة في ذلك كثيرة حفلت بها السنة النبوية.
٭ حق الحماية والرعاية للمرأة المسلمة المهاجرة:
اعطى الاسلام المرأة المسلمة المهاجرة التي خرجت من بلدها فرارا بدينها وعقيدتها حق الحماية والرعاية فقد امر الله عز وجل بنصرتها والوقوف الى جانبها وعدم ردها من حيث اتت ودفع التعويضات المالية الى زوجها الذي فارقته وفارقت دينه، وتأمين عيشة كريمة وحياة فاضلة لها، قال تعالى: (يأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله اعلم بايمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن الى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن) (الممتحنة:10).
وكان وقت نزول هذه الآية بعد صلح الحديبية فقد ابرم الرسول صلى الله عليه وسلم مع قريش معاهدة الحديبية جاء فيها: (على ألا يأتيك منا رجل وان كان على دينك الا رددته الينا. وفي رواية على أنه لا يأتيك منا أحد وان كان على دينك إلا رددته الينا»تفسير ابن كثير. «وجاءت سبيعة بنت الحارث الاسلمية بعد الفراغ من الكتاب والنبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية بعد فأقبل زوجها وكان كافرا وهو صيفي بن الراهب وقيل مسافر المخزومي فقال: يا محمد ارددت علي امرأتي فإنك شرطت ذلك. وقيل جاءت أم كلثوم بن عقبة بن ابي معيط فجاء أهلها يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يردها وقيل: هربت من زوجها عمرو بن العاص ومعها اخواها عمارة والوليد فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم اخويها وحبسها، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ردها علينا للشرط فقال صلى الله عليه وسلم: «كان الشرط في الرجال لا في النساء» فأنزل الله هذه الآية»تفسير القرطبي.
مما تقدم نجد ان الآية تضمنت:
٭ وجوب حماية المرأة المسلمة ومناصرتها وتمكينها من حقها.
٭ منعها من العدو حتى لا ينتقم من الاسلام في شخصها.
٭ فرض الله على المؤمنين دفع مال لفدائهن من ازواجهن من الكفار.
٭ تمكينهن من زواج شرعي جديد بصداق جديد.
وهذه الرعاية والحماية لم يحصل عليها الرجل في القرن العشرين في حق اللجوء السياسي.
٭ حق البيعة:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع النساء كما يبايع الرجال تطبيقا لمبدأ العدالة والمساواة بينهما. قال تعالى: (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم) (الممتحنة: 12).
وقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم النساء على الصفا يوم فتح مكة معتبرا بذلك المرأة ذات شخصية مستقلة، يقوم بنيان الدولة عليها، كما يقوم على الرجل سواء بسواء، كما تدل هذي المبايعة على استقلال المرأة في المسؤولية.
٭ حق المشاركة في الجهاد:
ان الله تعالى لم يكتب على المرأة الجهاد وانما كتبه على الرجال؛ لان الله خلق الرجل بصفات جسدية ونفسية تؤهله لحمل السلاح ومقارعة الاعداء، وخلق المرأة بصفات جسدية ونفسية تتناسب مع مسؤوليتها المنوطة بها والتي لا تقل في الاهمية عن مسؤولية الرجل، فاستبقى المرأة لهذا العمل وهو رعاية البيت وتربية النشء.
ورغم ان الجهاد لم يفرض على النساء الا انهن شاركن الرجال فيه تطوعا بالاعمال التي هي من صميم اختصاصهن كالتمريض والتطبيب واعداد الماء للجيش وما الى ذلك. وهذا لا يمنع من مشاركتهن عندما يكون الجهاد فرض عين، وعندما يستدعي الموقف المشاركة، كما حصل في غزوة احد عندما استلت ام عمارة (نسيبة بنت كعب) سيفها تذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقاتل دونه.
ولما كان الجهاد في منظور الاسلام انما شرع لنشر الاسلام في العالم واقرار الامن في هذه الارض، جعله الله فريضة على الرجال، وساهمت المرأة المسلمة بما تجيده من اعمال في شرف اقرار السلام في العالم.
٭ حق الإجارة:
تأتي الاجارة والامان بمعنى واحد وهو منح الخائف الحماية والامن. قال تعالى: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون) (التوبة: 6). وقد توسع الاسلام في هذا الباب، فقرر عصمة المستأمن واوجب على المسلمين حمايته في نفسه وماله ما دام في دار الاسلام. وجعل للمسلمين حق اعطاء ذلك الامان للرجال والنساء، فقال عليه الصلاة والسلام: «ذمة المسلمين واحدة يسعى بها ادناهم» سنن الترمذي.
والسنة قد اوردت ذلك في قصة ام هانئ ابنة ابي طالب عندما اجارت رجلا من أحمائها فقال الرسول صلى الله عليه وسلم «قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ»فتح الباري.
فأصبحت الإجارة منذ ذلك التاريخ حقا للمرأة، ويجب على جميع المسلمين احترام ما تعهدت به المرأة.
٭ المرأة والولاية العامة:
يقصد بالولاية العامة: «ما يشمل نظر متقلدها امور الدين الى جانب امور الدنيا والجماعة»حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في النظام الإسلامي والنظم المعاصرة، د.عبدالوهاب الشيشاني. كالخلافة وإمارة الاقاليم وامارة الجند وولاية المظالم.. الخ.
فقد خصص الله عز وجل هذه الوظائف للرجال دون النساء وذلك على مبدأ التقسيم العادل في الحقوق والواجبات وليس من قبيل التحقير او التقليل من شأنها، والله عز وجل خلق كلا من الرجل والمرأة بخصائص جسمية ونفسية مناسبة للوظائف التي يوكلها لهما، ولأن مثل هذه الوظائف ومثل هذه الاعمال تتطلب معاينات خارجية متتالية، وتقتضي الظهور بين الناس لمباشرة هذه الامور التي اوكلها للرجل، كما ان تكوينها الجسمي الضعيف وتكوينها النفسي العاطفي الرقيق وما يعتريها من عوارض جسمية خاصة تمنعها من ممارسة هذه الاعمال التي تحتاج الى القوة والخشونة، والى الصلابة في الادارة والعاطفة عند الحكم وهذه الصفات لا تتوافر الا في الرجل بحكم خلقته وتكوينه.
وهذا ما اثبته العلم الحديث، ولو ان في تقلد المرأة مثل هذه الوظائف مصلحة لما اغفلها الاسلام الا ان الاسلام اعطى للمرأة وظيفة اهم وهي وظيفة الامومة حيث ان الرجل لا يستطيع ان يؤديها مهما تفرغ لها فتضيع اذا ما انشغلت عنها المرأة بالامور التي ليست من تخصصها، ثم ان هذه الامور والتي يطلق عليها الولاية العامة لكونها غير متوافقة مع طبيعتها وفطرتها فإننا نلاحظ ان اقبال المرأة على مثل هذه الوظائف يعتبر ضئيلا فمثلا نلاحظ في البلاد التي اقرت دساتيرها مشاركة المرأة في السياسة كالانتخاب والترشيح وعضوية البرلمان نجد ان عدد النساء لا يذكر، ولو كان ذلك موافقا لطبيعتها لوجدنا ان نصف البرلمان من النساء، ولكن هذا لم يحدث اطلاقا وهذا الواقع العملي يقرر ان هذه الامور السياسية غير مرغوب فيها من قبل المرأة ولا يترتب عليها اي مصلحة.
واذا كان الاسلام قد قصر الخلاقة (الولاية العظمى) على الرجال فإنه لم يمنع المرأة ان تتولى من الولايات ما يتناسب مع طبيعتها وقدرتها وما يتلاءم مع ظروفها.
«فقد ولى عمر بن الخطاب الشفاء بن عبدالله العدوية ولاية السوق) الإصابة في تمييز الصحابة.
ان الحقوق التي نالتها المرأة هي غاية الفضل والتكريم، وان ما تطالب به اليوم من حقوق سياسية هي ليست في حاجة لها وغير راغبة فيها وانما تطالب بها بعض الشخصيات النسائية نتيجة تحريض اعدائها - دعاة تحرير المرأة - ولكن الواقع يثبت انها اذا ما عرضت عليها فإنها لا ترغب فيها.