فاطمة شعبان
«إذا أصابك هم لا تقل يا رب إن لي هما كبيرا بل قل يا هم إن لي ربا كبيرا» جميلة بل رائعة هذه العبارة، والأجمل أنها برفقتي لأني تلقيتها عبر إحدى المسجات التي تضج بها هواتفنا النقالة، فكانت لي بلسما وأعطتني دفعة إلى الأمام، وجعلت مسار فكري يجري باتجاه فيه كثير من التفاؤل، فما أكثر ما تنتابنا من حالات ضيق الصدر والأفق التي تكدر نفوسنا وتفقدنا الصبر، وتقسو من جرائها قلوبنا، فنعيش الهم والحزن ونشعر أن الحياة باتت ضيقة وصغيرة بل أصغر من خرم إبرة، ونعتقد أن الذي أصابني لم يصب أحدا غيري، فتلك الرؤية المظلمة غالبا ما تجعل مسار حياتنا متعرجا تتخللها صخور كائدة لا نقوى على استئصالها
فلم لا ندرب أنفسنا على التطلع إلى الجانب المضيء من الحياة، أو كما يقال النصف المليء من الكأس، لننال السعادة وراحة البال، خاصة إذا عرفنا أن سر ذلك كله قد أودعه الباري تعالى في المياه الرقراقة التي تحمل صفات طالما نبحث عنها، فهي لينة مرة، وصبورة أخرى، وحكيمة ثالثة، ومتواضعة وواسعة الصدر رابعا، وودودة وعذبة خامسا.. و.. و.. تنساب بصبر وتأن، فتحيل الصخرة الصماء إلى رمل ناعم أملس، يوما بعد يوم وأسبوعا تلو أخر دون كلل أو ملل.
كما أننا لو تأملنا المطر وهو يتساقط في ربوع الدنيا، لوجدناه لا يميز بين قصور الأغنياء وأكواخ الفقراء، ولا يهتم بين إنسان مهموم وآخر سعيد، وبين العاصي لله والمطيع له تعالى، هل نعلم لماذا؟ لأنه واسع الصدر والأفق، معطاء يوزع خيره على الجميع دون استثناء، كذلك إن شئنا أن نسكبه في أوعية مختلفة الأشكال والأحجام والألوان فإنه يغير شكله حسب الوعاء.. ويتأقلم حسب حجم الإناء لكن دون أن يبدل من تركيبه هكذا ينبغي لنا التعامل مع همومنا لا أن نجعل المعضلة هي قالب حياتنا نتقوقع بداخلها وكأننا ولدنا بها وسنموت بداخلها فالمنغصات تأتي وتذهب والحياة تعج بالهموم ووسائل الإعلام تنقلنا كل يوم، رضينا أم أبينا، من هدوئنا إلى حيث الألم والمعاناة فهل نسلم زمامنا بيدها؟
أم نتتبع نقاء القلب وصفاء السريرة التي نستمدها من البحر؟ فكلما ألقي فيه من حجر أو مدر ابتلعه وعاد إلى نقائه وكأنه لم يصب بكدر. وكم هو ودود ولطيف ذاك الندى الذي يظهر كل صباح ويداعب أوراق النبات الخضراء ويجري بين نسيم الصباح بخفة ونعومة وألسنتنا ترافق لسان حال الكائنات وهي تصدع يا هم إن لي ربا كبيرا.